Unconfigured Ad Widget

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بيير داكو (الإنتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث) الجزء الأول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بيير داكو (الإنتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث) الجزء الأول

    هو كتاب أكثر من رائع (الإنتصارات المذهلة في علم النفس الحديث) قرآته الصيف الماضي ويعتبر مدخل هام في علم النفس لكل من أراد الخوض في هذا المجال .. الكتاب مكون من 700 صفحة تقريبا ..
    أثناء تصفحي على الإنترنت وجدت هذه الأسطر المقتبسة من كتابه ... وسأنزلها على أجزاء .. ليس فقط لكم بل حتى لي لكي أسترجع معلومات قد أكون قد فقدتها ..

    الجزء الأول


    يتوق الطفل إلى أن يصبح رجلاً، ولكن
    ما عدد الرجال الذين يتوقون إلى ما يتوق
    إليه؟

    ما يتصف به عالم النفس
    عالم النفس عقل وقلب، ولا يطلق أحكاماً أبداً. إنه يلاحظ ويحب ويفهم. إنه لا يرى العمل ذاته، اللهم إلا من أجل إصلاحه إذا كان شيئاً؛ ولكنه يبحث عن المقاصد البعيدة الغور، فإذا به أصلح القصد، وسار العمل على الطريق ذاتها.
    قواعده في عمله معارفه الإنسانية والسيكولوجية والفيزيولوجية التي يجب أن تكون واسعة. فهو يعتمد عليها، ولكنه يعيد النظر فيها باستمرار. ذلك أن العنصر الذهني الإنساني لا يخضع إلى أيّ تصنيف جاهز.
    ولا ينسى عالم النفس أبداً أن كل موجود إنساني يعاني الألمَ، فذلك هو وضعه. ويبحث الإنسان عن مخرج من هذا العذاب بالوسائل التي في متناوله. وليستْ غالبية الأعمال "الخبيثة"، مع ذلك، غير هذا البحث.

    عالم النفس إنسان تقي، وأقصد بذلك أنه يعمل من أجل أنْ يشعر بأنه مرتبط بكل ما يحيط به، شعوراً يتعاظم تدريجياً. فهو يعلم أن الخوف يسيطر على كثير من الناس، وأن الحصر يغمر نفوسهم؛ ويبحث الناس إذن عن الأمن قبل كل شيء، أمن ينبغي للأسرة والمجتمع أن يوفراه لهم؛ فإذا لم يجدوه فيهما، تفاقم حصرهم. ودور عالم النفس إنما هو منحهم أمناً جديداً. إنه يعمل على أن يجده كل امرئ في ذاته. فلا شيء يدهشه، ولا شيء يثير في نفسه النفور لأنه يفتش عن الدوافع.
    إن مهنة عالم النفس مهنة إيمان إنساني قبل كل شيء، فكل ما هو إنساني هو من دائرة اختصاص علم النفس، سواء أكان سوياً أم غير سوي. فعلم النفس هو مدرسة الحكمة والتوازن.
    إن أغوار الناس لا تختلف من شخص إلى آخر، فاللاشعور العميق لفرد من أفراد قبيلة البابو (Papou) يشبه إلى حدّ بعيد لاشعور الأوروبي. أليس هذا التأكيد مطمئناً في هذه المرحلة التي تتميز بالتفرقة الإنسانية؟

    تعريف علم النفس:
    علم النفس هو دراسة الظاهرات النفسية أياً كانت. وإن علم النفس:
    1- يلاحظ السلوكات الإنسانية كافة، داخلية وخارجية.
    2- ويبحث في الدوافع الداخلية أو الخارجية فهده السلوكات.

    لا شيء يمكن إنجازه دون توازن، فالتوازن أداة الكمال الإنساني؛ وفقدان التوازن يفصل الإنسان عن كليته الفيزيولوجية والسيكولوجية، وبالتالي يعزله عن إنسانيته الممكنة. إن كل مرض، وكل قصور سيكولوجي، وكل فقدان للتوازن، يفصل الإنسان عن ذاته وعن إمكاناته.
    ولنأخذ مثلاً بسيطاً:
    إذا تألم أحدُ الناس من أسنانه، طغى هذا الألم عليه كلياً، وتركَّز فكره عليه بحيث لا يوجد شيء فيما عداه. إنه مندمج به "ويصبح" هو هو. إن آلام الأسنان تفصله عن ذاته، وعن عمله الممكن، وعن أفكاره، ويختفي كل وضوح. تشبه أكثرية الأمراض السيكولوجية هذا الألم، فلا يتصرف الإنسان حسب وضوحه، بل حسب مرضه، تلك هي حال الخجول والعدواني، والمصاب بالحصر. تلك هي حال المصاب بالأفكار الثابتة والعقد والتشنج..
    كثير من الناس في عصرنا غير متكيفين، وعدم التكيف يعني التناقض، والتناقض يعني التمزق، وهذا يعني الحصر. والتناقض التالي هو أحد أكبر التناقضات: إن الإنسان ممزق بين حقيقة "ما هو عليه" وبين ما "يعتقد أنه عليه". إنه ممزق، والحالة هذه، بين ميوله العميقة وبين سلوكه الخارجي.
    فعصرنا عصر الكبت. إن ضروب الكبت هذه هي عوامل قوية في الأمراض الجسمية والسيكولوجية. فتلقيننا أن ننظر إلى الغرائز على أنها دنيئة، وبخاصة في ميدان الجنس، يتعاظم تدريجياً. ولكن علينا ألا ننسى بأن هذه "الغرائز" باقية، وأنها تعمل عملها، سواء كانت مكبوتة أم غير مكبوتة. ويترتب على هذا أننا إذا فهمنا الغرائز فهماً واضحاً وقبلناها أو رفضناها بطريقة سليمة، فليس ثمة شيء نخشاه. ولكن ما يحدث في الغالب هو العكس مع كل ما ينشأ عنه من العواقب الممكنة.
    لقد اختفى الفرد الواعي؛ إن إنسان العصر الحديث لا يحرضه عقله ولا فكرته الواعية، بل انفعاليته المرضية. لقد بلغت الوسائل المستعملة حدَّاً فريداً من الصفاقة؛ وحسب المرء أن يرى بعض شارات الإعلان وبعض الصحف، وأن يصغي إلى بعض محطات الإذاعة، وأن يلقي نظرة على أكداس الصحف المصورة التي تمنع كل قراءة واعية. ولنُشِرْ جيداً إلى أن كل هذه الانتهاكات انفعالية، لاشعورية في أغلب الأوقات. ثمة إذن ما يستوجب الرعب، فحشو الدماغ سائد على حالة وبائية؛ ويعلم الذين "يمسكون بخيوط اللعبة" قوة الانفعالية تمام العلم.
    ومن أعظم أعمال علم النفس مساعدة الإنسان على إيجاد لاشعوره، والتوفيق بينه وبين الراقات الشعورية للحياة اليومية.
    إن علم النفس مدرسة تحرر ووضوح؛ فهو يحرر من غرائز فُهمتْ فهماً سيئاً وتم تمثّلها بشكل خاطئ، ويتيح لغرائز الإنسان أن تقوم بعملها بصورة سوية وبدون أن يظهر الحصر، ويحرر من ضروب التربية التي تمت ممارستها بصورة خاطئة. إن علم النفس مدرسة يُسر وسيادة وصحو.
    الإنسان المصاب بالجمود:
    لنفرض أن أحد الناس يجهل وجود الموجات الكهرطيسية الصوتية جهلاً تاماً، ويجهل وجود محطات البثّ وأجهزة المذياع، وفي يوم من الأيام قدّم له أحدهم جهازاً وقال له: إذا وضعتَ هذه النشيبة في مأخذ التيار الكهربائي فإنك تسمع الموسيقى. فيفعل ذلك ويسمع الموسيقى فيصاب بالذهول. إنه لا يعلم كيف تحدث هذه الموسيقى، ولا من أين تأتي؛ وحركة بسيطة تكفي لذلك. ولنفرض أنه بقي على هذه الحال طوال حياته: يسمع النوع ذاته من الموسيقى، والأصوات والكلمات نفسها، والمناخ الاجتماعي والسياسي والجغرافي ذاته، ولكنه يجهل وجود مئات من الأجهزة المرسِلة الأخرى والأصوات وضروب الموسيقى الممكنة..
    ولنتصور أن عاملاً تقنياً حضر إلى منزله، وعرض عليه جهازه مسروراً؛ وأكبّ عليه العامل فلاحظ أنه مثبَّت على محطة إذاعة باريس، ولاحظ كذلك وجود مكثِّف. فقام برفع التثبيت عن هذا المكثِّف، وفجأة ظهرت مئات من الألسن، ومئات من ضروب الموسيقى. وأخذ العالم برمته يتتابع. لقد بدا الرجل مذهولاً والأسى يملأ فؤاده، يفهم أنه كان يعتقد بأنه يعيش في جو موسيقى العالم برمّته، ولكن لم يكن ثمة شيء من ذلك..
    مثل هذا الرجل مثل ملايين الأشخاص الذين استمروا طوال حياتهم جامدين على بعض الأفكار والفِكَر التي اكتسبوها، وعلى بعض المنعكسات التي لم يطرأ عليها أيّ تبدل، لا يعرفون نقطة البداية ولا نقطة النهاية، ولا يعرفون حتى وجود إمكاناتهم الخاصة. إنهم يعتقدون، على الرغم من ذلك، أنهم يعيشون؛ والواقع أنهم يدورون كما يدور السمك في الوعاء الزجاجي إلى أن يأتي عامل تقني يوماً من الأيام.
    وكثير من الناس يشعرون بأن شيئاً ما يعوزهم لكي يكونوا هم أنفسهم. إن الغالبية العظمى من الأمراض السيكولوجية مردّها البحث عن هذا الشيء بحثاً ساء توجيهه. إن انسجام كلية الموجود الإنساني أمرٌ ضروري لكي يكون فرداً واعياً، والانسجام يأتي من التماسك، وهذا من التوازن.
    دور التربية الأساسي:
    إن التربية الأُولى تقوم على ضرب من "الترويض"، أيْ على فرض بعض المنعكسات على الطفل. إنّ جزءاً من هذه المنعكسات يتأصَّل إلى الأبد، جيدة كانت أم سيئة.
    إن التربية الكاملة تتطلب أن تكون العناصر الثلاثة كاملة ، وهذا أمر طوباوي. وحتى لو كان الوالدان كاملين، فإن تربيتهما ينبغي لها أن تكون مناسبة لمزاج الطفل الأساسي. إن التربية سيرة حب، ولا وجود للحب الأصيل دون توازن منسجم. فالحب الأصيل هو ذلك الذي يعطي بصورة دائمة. وإلا، فإنه قائم على الانفعالية والاندفاعية الآنية. وعلينا ألا ننسى بأن التربية سلسلة واسعة من النقل ينبغي لها أن تتصف كل حلقة من حلقاتها بأقل قدر ممكن من البعد عن الكمال.



    المشكلة أنكم لم تدركوا أن نصفي العاقل أصبح مجنونا

  • #2
    طبعا سأنزلها عأجزاء .. لتجنب حدوث الملل ..

    مودتي
    المشكلة أنكم لم تدركوا أن نصفي العاقل أصبح مجنونا

    تعليق


    • #3
      شكرا أخى الكريم على الموضوع
      _______

      تعليق


      • #4
        الجزء الثاني :

        التعب والاكتئاب:
        التعب هو:
        آلية طبيعية تتيح للموجود الإنساني أن يتهيأ للنوم أو الراحة، وأن يتجنب تسمم خلاياه الدماغية بذلك. فالنوم مرحلة ترميم تتخلص فيها الخلايا الدماغية من النفايات السامة التي تتجمع أثناء فاعليتها، وينتج عن ذلك أن أي نقص في النوم يحدث تسمماً حقيقاً، فالخلايا الدماغية تستنفذ احتياطيها إذ تراكم النفايات السامة. وهي تعيد تكوين احتياطيها الغذائي، مصدر طاقتها، في أثناء النوم.
        إن على كل موجود إنساني أن ينهض من نومه على أفضل ما يكون نضارة. إن على كل موجود إنساني أن ينهض من نومه وهو يغني، محتفياً بكل فرح بولادة النهار. تبدو الفاعلية السوية على الصورة التالية:
        1- يعمل الإنسان دون عجلة، فالعمل هو طبيعته ذاتها، وقد يكون عملاً يدوياً، أو عضلياً، أو ذهنياً كلامياً..
        2- يقود هذا العمل إلى ضرب من الإحساس: التعب الطبيعي الذي ينبغي له أن يكون ممتعاً لأنه طبيعي.
        3- يتباطأ العمل ثم يتوقف، فالإنسان يستريح في تراخ تام.
        4- يستعيد الإنسان نشاطه، ويستأنف سيره ويعمل مجدداً.
        ينبغي للإنسان السوي أن ينتقل انتقالاً منتظماً من العمل إلى الراحة، ومن الراحة إلى العمل، مع ما بينهما من إشارة التعب المحترمة.
        وتبدو الفاعلية غير السوية (عند الإنسان المعاصر) على الصورة التالية:
        1- إنه يعمل بطريقة سيئة لأنه متعب.
        2- ويبلغ حدّ الإرهاق.
        3- ويرفض هذا الإرهاق ويستمر في العمل.
        4- ويصل إلى حدّ كبير من الإرهاق.
        5- ويرفضه وينتهي به الأمر إلى الإنهاك.
        نتائج الإنهاك المباشرة:
        للإنهاك ردّ فعل مزدوج:
        الاكتئاب والهياج: فالإنسان المنهك مكتئب تارة، ومتهيج تارة أخرى، فلا اكتئاب دون هياج، ولا هياج دون اكتئاب. يصبح الإنسان المنهك صورة مشوهة للإنسان المتعب بصورة طبيعية: وذروة خطه البياني تتعمق وتصبح اكتئاباً، وحضيض هذا الخط البياني يبالغ في آثاره ويصبح هياجاً.
        تنخفض الفاعلية في الاكتئاب إلى حد كبير، فالمكتئب يقلل من حركاته بهدف الاقتصاد من الحيوية. إنه يشكو الملل والأرق، ويبدو الهزال عليه غالباً، وتضطرب وظائف الهضم لديه، وقد يحدث ارتعاش من التعب، كما قد يحدث ضعف في الرؤية، واضطرابات في القلب.. ويسبب الاكتئاب، بصورة آلية، صعوبة في العمل. الصحة الجسمية والعصبية تنشئ الإرادة آلياً، فقوام الفعل الإرادي الواقعي يكمن في الاغتراف من مستودع الطاقة دونما جهد.
        تعريف الاكتئاب:
        الاكتئاب هو هبوط في التوتر العصبي أو السيكولوجي.
        الأعراض العامة لحالات الاكتئاب:
        يعرف المكتئب بسهولة من هيئته، إنه يبدو مغموماً، خاملاً، تقلصت استجاباته الحركية إلى حدها الأدنى، فهو بخيل في حركاته، يتعبه أسهل الأعمال، ويبدو الأرق على الأغلب، أما الهزال فإنه جسيم تقريباً، وقد تحدث رعشات تعب وأوجاع رأس، وهبوط في ضغط الدم في الشرايين، وشعور بالملل فائق الحد، ووساوس التعب، وتعذر التركيز، وحيرة أو تردد، وحزن دونما سبب ظاهر، وضروب من الهوس والوهن النفسي، ودماغ أجوف فارغ بارد، وألم في العنق، واضطرابات الرؤية، وثمة على الأغلب فقدان الإرادة، وسوداوية، وخوف من الجنون.
        فقدان الإرادة:
        ربما كانت الإرادة هي الصعوبة الكبيرة بالنسبة إلى المكتئب، ولكن هذا العجز يبرز بصورة خاصة في مرحلة الانتقال من الفكرة إلى الفعل، إنه يرغب في أن يفعل هذا الأمر رغبة جامحة في غالب الأحيان. ولكن تحقيق هذه الرغبة يبقى حبراً على ورق، فالإرادة لا تنطلق، والعطالة تتغلب، ثم تبدو رغبة أخرى وأخرى. إنه وابل حقيقي من الرغبات.
        علاج فقدان الإرادة:
        إن الوظيفة الإنسانية هي العمل والإرادة، لأن العضلات هي التي تقود العمل ولأن الجملة العصبية هي التي تطلق الإرادة بصورة آلية ولذلك لا بد من أن يكون كل منهما في حالة جيدة، فمنذ أن يبدو الكسل على شخص من الأشخاص، طفلاً كان أم راشداً، لا بد من البحث مباشرة عن السبب، ذلك أن هذا الكسل عرض ينشأ إما من قصور جسمي، أو عصبي، وإما من ألم سيكولوجي، كما يمكن أن ينشأ من مصادر عديدة. فإعادة العمل والإرادة إلى مَن يفقدها تعني أن نؤمن له توازناً جديداً.
        السوداوية:
        إن قوام السوداوية حزن دائم عميق، فالتشاؤم كلي ينسحب على الأشياء كافة، والقرف من الحياة أُولى استجابات السوداوي، فهو لا يبالي بأي شيء، حتى ولو بألمه. كل صباح عذاب يتجدد، فالفناء رغبته الكبرى، وفقدان الإرادة كلي لديه بالتأكيد، ومثله العجز، ولا شيء يبقى له غير لا مبالاة تفوق كل حد. يلوم نفسه على هذه اللامبالاة تلك أمّ السوداوية.
        تسيطر على السوداوي غالباً أفكار مفادها أنه غير أهل لشيء، يتهم نفسه بأبشع الأمور، ثمة اضطرابات عضوية ترافق السوداوية، كفقدان الشهية، والإمساك الشديد، والدوران الدموي غير المنتظم.
        والخلاصة أن السوداوية تجعل الفاعلية الجسمية والذهنية بطيئة، وتدفع إلى العطالة التامة، كما يحدث في مرض فقدان الإرادة. والخرس في هذا المرض كثير الحدوث، فالمريض يبقى خائر القوى، وذا نظرة مبهمة، ويجتر يأسه.
        إن السبب الأول للسوداوية جسمي صرف، والانعكاسات النفسية تبدو فيما بعد. وقد تكون السوداوية نتيجة من نتائج الاكتئاب، والنتائج في هذه هي ذات النتائج التي تترتب على فقدان الإرادة، وما ينبغي لنا معالجته إنما هو الاكتئاب ذاته.
        الخوف من الجنون:
        من المعلوم أن المكتئب يحس بفراغ في دماغه، وبأنه عاجز عن لملمة أفكاره. ففِكَره ضبابية في الغالب. إنه لمن المنطقي إذن أن يسيطر عليه وسواس التعب الدماغي، وأن يعتقد بأن هذا التعب يقوده إلى الجنون.
        إن المكتئبين يلتقطون أقل كلمة ويضخمونها. إنهم سريعو التأثر جداً بأيّ إيحاء شريطة أن يكون سيء التأثير. والمكتئب عادة مشغول بشأن صحته انشغالاً يفوق كل حدّ، بمعنى يتوهَّم المرض، ويلازم المكتئب وسواس السير الوظائفي لأعضائه وأفكاره وفِكَره.
        أسباب الاكتئاب:
        إن مئات من الأسباب المختلفة يمكن أن تؤدي إلى هبوط التوتر العصبي، ومع ذلك فإن أحد هذه الأسباب الرئيسة يبقى الإنهاك العصبي والنفسي.
        والبحث عن سبب الاكتئاب يرجع إلى العثور على أسباب الإنهاك، ويتجه التفكير إلى الإرهاق بصورة مباشرة.
        يحدث الإرهاق منذ أن تصبح المرمِّمات الطبيعية، الغذاء والنوم، عاجزة عن تحديد القوى. ويعني الإرهاق أن يصرف الإنسان من طاقته أكثر مما يتجدد من قواه، وعلينا ألا ننسى، مرة أخرى، أن التعب إشارة هدفها أن تمنع تسمم الخلايا العصبية. ينبغي للمرء أن ينظر إلى الإرهاق من حيث كوْنه وقائياً. وعلى كل موجود إنساني أن يعرف استطاعته الخاصة.
        إن الإرهاق الجسمي لا يتدخل عملياً في إحداث الاكتئاب بمفرده على الإطلاق، بل يرافقه الإرهاق النفسي.
        وإن ضروب الإرهاق الانفعالي، والأفكار الثابتة، والوساوس، والدماغ الذي يدور حول فكرة واحدة، وضروب الاجترار النفسي، أكثر خطراً. وقد يُقال غالباً: "دع عنك العواطف الحزينة السوداوية والأفكار السوداء؛ اعملْ بحسب طاقتك وهمتك وحالة ضعفك". إنه قول لطيف كل اللطف. بيد أن هذه الظاهرات جميعها معلولات حالة من حالات القصور. فليس من أجل اللذة بالتأكيد إنما يجتر شخص من الأشخاص أفكاراً سوداء أو وسواس.
        ففي المستوى الأول، ينبغي لنا إذن أن نعثر على المستودع الذي تتشكل فيه هذه الأفكار، ذلك أن هذه الأفكار المرضية تصبح بدورها أسباباً تتفاقم تدريجياً وتدفع الشخص نحو الإنهاك العصبي. وعندئذ يحتمل أن تصبح أفكاراً ثابتة توجِّه لحسابها طاقة الفرد برمتها.
        الأعمال المنهكة:
        إن التكيف مع وضع من الأوضاع هدف كل جهد إنساني يُبذل، أياً كان هذا الوضع، يستوي في ذلك أن يفتح الإنسانُ باباً أو يتزوّج. ثمة درجات في صعوبات التكيف، وبالتالي في كمية الطاقة التي تُصرَف.
        ولا يحس الفردُ دائماً بأعماله المنهكة، فكثير منها يبقى تحت الشعور. وسواء كانت تحت الشعور أم لا، فإنها تقوم بعملها التخريبي مع ذلك.
        إن الوسط العائلي مصدر من أخصب مصادر الإنهاك والاكتئاب، فالمصادر الأخرى تنطلق بعد زمن طويل. إن أخطر مشكل من مشكلات التربية يتدخل في هذا المجال، فبعض المراهقين يحملون في داخلهم عدداً هائلاً من ضروب التكيف الداخلية الفاشلة. ويحمل كل ضرب من ضروب اللاتكيف هذه شحنة انفعالية. والحياة في العائلة مشكل من مشكلات التكيف المتبادل. ثمة طبائع متباينة تتواجه، وهي تتطلب تكيفاً مرناً قائماً على الفهم، ولا بد من أن تحدث صدامات. فكل شيء يجري على أحسن ما يرام إذا تمت تصفية هذه الصدامات مباشرة، إما بتوازن الشخص أو بالشرح، وإما بالغضب، أيْ أن كل شيء إذن يجري على أحسن ما يرام إذا تم تفريغ الشحنة الانفعالية. البلوغ الجسمي:
        تبدو المظاهر الأولى لعدم التكيف عند كثير من الأفراد، بين الثانية عشرة والرابعة عشرة، في فترة البلوغ الجسمي الذي يُضعف، منذ ظهوره قوة المقاومة لديهم بصورة كبيرة. إنها، في الوقت ذاته، إنما هي الفترة التي يتجه فيها انتباه الأطفال إلى الممارسات الدينية.. إنها هي المرحلة التي يبدأ فيها هوس تكرار الصلوات وهوس الكمال والرعب من جهنم ووساوس السحر عند مَن هم أكثر نضجاً. ويمكن أن تبقى هذه الاضطرابات مقتصرة على الأفعال الدينية وأن تستمر إلى ما لا نهاية. الإنهاك والهياج:
        قلتُ إن الإنهاك يثير الاكتئاب والهياج.
        ويبدو في الهياج عرضان رئيسان:
        أ ــ تتصف الاستجابات للظروف بأنها غير منتظمة، كما تتصف بالمبالغة بصورة واضحة (استجابات عضلية وسيول من الألفاظ، إلخ).
        ب ــ يعطي المهتاج انطباعاً بأنه لعبة بين يدي اندفاعاته دون أن يكون لديه الكابح الضروري من أجل إحداث التوازن.
        ويصبح سلوك المهتاج سلسلة من ضروب التفريغ المفاجئ التي لا يفلح في مراقبتها. إن "السيادة على الذات" تختفي.
        وقد يظن بعضهم أحياناً بأن قوام "السيادة على الذات" أن يُقوِّي الإنسان من عزيمته حتى "يتغلب على نفسه". وهذا خطأ كل الخطأ. فإذا كانت السيادة على الذات تقتضي جهداً، فذلك يعني أنه لا يوجد للسيادة على الذات. وبهذا المعنى، فإن السيادة على الذات شبيهة بالإرادة.
        يسود الاعتقاد بصورة عامة أن الدماغ بمجموعه يعمل إذا فكّر الإنسان بأمر من الأمور. غير أن هذا الاعتقاد اعتقاد خاطئ، كما هو أكثر خطأ أن نعتقد بأن الدماغ يعمل برمته عملاً قاسياً عندما نركِّز فكرنا على مشكل من المشكلات.
        إن جزءاً صغيراً من الدماغ يكون وحده في حالة نشاط عندما يقتضي الأمر تركيزاً. أما الباقي فإنه في حالة من عدم النشاط، في حالة النوم.
        تثير الجملة العصبية بصورة آلية استجابتين كبيرتين حالما تتلقى "رسالة":
        أ ــ توجّه الرسالة نحو المراكز العصبية المعنية بها. تلك هي ظاهرة توليد الحركة. ويسمح هذا التوجيه بإثارة المراكز العصبية المعنية. هذه الإثارة العصبية، بدورها، تجعل الاستطاعة التي يتطلبها العمل الحالي ممكنة.
        ب ــ تُوقف الجملة العصبية في الوقت ذاته عمل المراكز العصبية الأخرى التي لا علاقة لها بالعمل الحالي. فهي تثير على هذا المنوال توقّفاً في سائر صور السلوك التي ليست معنيّة بالعمل. وتلك هي ظاهرة الكف.
        هذا الكف هو، إذن، توقف، وبالتالي نوم.
        أحلام اليقظة:
        الدماغ لا يشغله موضوع خاص في أحلام اليقظة، فالدماغ مفتوح، يقظ إلى الحد الأقصى، والتوقّف في حده الأدنى؛ فأحلام اليقظة هي أحياناً ملجأ الضعفاء. ومع ذلك، ثمة صورة عالية من أحلام اليقظة: إنها التأمل.
        إن التأمل لا يقوم على التفكير في شيء محدد. بل، على العكس، إن الإنسان يرخي "العنان" للدماغ في موضوع عام. فالإنسان المتأمل منفعل، ودماغه يتلقَّى الحدّ الأقصى من الإحساسات. وينطوي الفِكر على ذاته في ضرب من "التخمّر" المعمم ودون أدنى جهد، ويشمل سائر الأمور بيسر. فقابلية الاستقبال والوضوح رائعان جداً. إن التأمل هو الدرجة العليا من درجات الفِكر الإنساني.
        أنْ ينتبه الإنسان يعني أن ينتبه إلى شيء ما. فالفِكر هنا يستقر على شيء محدد، على نقطة أو نقاط معينة. والانتباه ضرب من التركيز الضعيف. ثمة درجات مختلفة من الانتباه تبدأ من الانتباه المشتت وتنتهي بالانتباه المحدد.
        التركيز:
        يقوم التركيز على تثبيت الفِكر بجهد على نقطة وحيدة كمسألة صعبة؛ فإذا دفعنا بالتركيز إلى الحدّ المرضي، بلغنا الفكرة الثابتة.
        المشكلة أنكم لم تدركوا أن نصفي العاقل أصبح مجنونا

        تعليق


        • #5
          كتاب مميز جزاك الله خير على نشر الفائدة .انا أصغر حجمها واطبعها لكي أقرأها فهكذا قد تضر العيون .
          كن كالطير يحب العلو

          تعليق


          • #6
            فهكذا قد تضر العيون
            أضغط Ctrl ومن بكره الماوس حرك الى أعلى والى أسفل لكى يتغير حجم الكتابه فى الصفحه.
            _______

            تعليق


            • #7
              جميل سبيشيال
              رغم اني اكره العناوين ذات الكلمات الرنانه الكبيره لكن الموضوع شدني وخصوصا اني مؤمن جدا بالربط العضوي النفسي والعكس
              بلاد الكوارث
              حيث جميع الشعب وجلاديه يبحثون عن العقل والقلب والشجاعه المفقودين
              لكن للاسف لاوجود للساحر اوز
              وتنتهي القصه بفقد الحذاء الاحمر
              وتبقي اليس في بلاد الكوارث للابد

              مدونتي

              تعليق


              • #8
                الجزء الثالث والأخير ..

                الفكرة الثابتة:
                الفكرة الثابتة، وكذلك الوسواس والاجترار النفسي، إلخ، ضروب من التركيز اللاإرادي المرضي. إنها تبقى ثابتة بصورة دائمة على الموضوع ذاته. من هنا ينشأ تنبيه قوي لبعض المراكز الدماغية التي تعمل إلى حدّ الإنهاك.
                والخلاصة:
                في أحلام اليقظة والتأمل تكون مناطق الدماغ النشيطة واسعة، ومناطق الدماغ المتوقفة عن العمل قليلة، وساحة الوضوح والشعور كبيرة.
                وفي حالات الانتباه والتركيز والأفكار الثابتة والوسواس والاجترار النفسي تكون مناطق الدماغ النشيطة قليلة الاتساع (يقل اتساعها تدريجياً). وتكون مناطق الدماغ المتوقفة عن العمل واسعة (تكبر تدريجياً)، وساحة الوضوح والشعور معدومة تقريباً (تضيق تدريجياً).
                إن التركيز عمل متعب، وذلك أمر مؤكَّد ما دامت المراكز الدماغية التي تعمل خاضعة لتنبيه قوي، فهي تنهَك إذن بسرعة كبيرة، ولهذا فإننا نرى أن بعض الطلاب الذين "يتوقفون" عن دراسة دروسهم (بمعنى يوقفون التركيز، فإنهم) يستسلمون بصورة عنيفة للنوم. فهل هذا تعب عام؟ كلا، ولكنه إنهاك في المراكز العصبية التي هي في نشاط كبير يدوم زمناً طويلاً.
                يجب إذن أن يتخلل كل تركيز فترات من اللهو، لأن اللهو "رسالة" توجّه صوب مراكز عصبية أخرى كانت مكفوفة عن العمل في أثناء التركيز، وبالتالي هي في حالة رقاد. هذه المراكز العصبية ستكون إذن في حالة التنبيه بدورها، في حين أن المراكز التي عملت أثناء التركيز تصبح مكفوفة عن العمل، فتستريح وتتجدد.
                التركيز يمنع الوضوح:
                الوضوح هو إدراك واضح واسع، إنه يقظة هادئة تمتد في اتجاهات كثيرة.
                نحن نعرف أن التركيز ضروري في بعض الأحيان، ولكن لنمعن النظر فيما يلي: متى ينبغي للإنسان أن يركز؟ إنه يركز عندما يشعر بصعوبات كبرى في فهم مشكل من المشكلات. التركيز يعني إذن جهداً ضخماً، والجهد الضخم يعني "نقصاً في السيادة على الذات"، نقصاً يدل بدوره على نقص في اليسر واتساع الفِكر.
                فما هي النتيجة ؟ النتيجة أن اليسر الذهني، وأقول ذلك مرة أخرى، أمر أولي. إنه يلغي ضرورة التركيز، ويتيح التغلب على المشكل، إنه يتيح للإنسان أن يَرى، كما في التأمل، معطيات بعيدة ذات علاقة بالمشكل، هذا فضلاً عن أنه يجنّب التعب ما دام يترك ساحة جدّ واسعة من الشعور مفتوحة! ثمة عدد كبير من الرسائل يمكن إذن أن تمس دماغاً شديد اليقظة يمتد وضوحه أحياناً إلى ما لا نهاية.
                التشنجات العقلية:
                إن المكابرة والعناد شبيهان بالفكرة الثابتة، ويخضعان للآلية ذاتها. والعنيد يفتقر إلى الوضوح قطعياً بسبب انكماش ساحة الشعور لديه. وإذا شئنا قلنا إن المكابرة حالة تركيز لاإرادية دون أي نتيجة عملية.
                كم هو كبير عدد الأشخاص الذين يتصفون بالعناد لأن حالتهم "النفسية" تدور حول مشكلات انفعالية لم يتوصلوا إلى تصفيتها أبداً، فأصبحت ضروباً من التشنجات العقلية؟ والحقيقة أن للفظة "عناد" معنى أوسع مما يبدو، فالرجل الذي يثبت على آراء قائمة على أحكام مسبقة رجل عنيد، والرجل الذي لا يعرف غير قليل من الأمور ويتشبث بها رجل عنيد، والرجل الذي لا يكف عن الدوران حول المشكلة الداخلية ذاتها رجل عنيد. ومثله الرجل الذي يتشنج في داخله، والرجل الذي يعجز عن أن يرى أيّ شيء آخر سوى ذاته.
                ضرورة التحرر:
                يتطلب دورنا الإنساني أن نطرح أسئلة على أنفسنا باستمرار، لنكن إذن على حذر من موضوع ضروب عنادنا الممكنة. ولنتساءل: هل أنا في حالة عناد في هذه البرهة حتى ولو لم أرها بصورة مباشرة؟ ألستُ عنيداً لأنني متعب، الأمر الذي يقلل من اتساع ساحة شعوري؟ أو لأنني متشنج؟ ألستُ عنيداً لأن هذا المشكل يخيفني؟ أو لأن هذا المشكل يناظر أمراً كبتّه دائماً؟ ألستُ عنيداً لأنني أتوتر من الخجل؟ أو لأنني عدواني؟ أو لأنني أشعر بالدونية وأنني أرغب في أن أفرض نفسي؟ ألستُ عنيداً لأن فكرتي تمثل أمناً بالنسبة إلي؟ هل تمت رؤية المشكل برمته؟ هل أنا واثق من أنني لم أفحصه من خلال الجزء المزيّف من "أنا"ي؟
                ذلك أن العناد يحتمل منذ أن تنقص مساحة الوضوح. وهكذا نرى كم هو هام أن يتخلص الإنسان من سائر التشنجات العقلية ومن جميع السلوكات التي توجهها انفعالية مزيفة أو متحجرة، وكم هو هام أن يكون الإنسان في حالة من اليقظة المستمرة، يقظة عريضة، هادئة، ذات اتساع شبيه باتساع الرادار الذي ينقب الآفاق، وكم هو هام أن يكون الإنسان في يسر، يسر من الناحية الجسمية ويسر من الناحية النفسية، وأن يوسّع ساحة رؤيته ويستأصل من نفسه كل ما يجعل ساحة الشعور ضيقة وما يوصد على الدماغ باباً يعزله بذلك عن إمكاناته الإنسانية.
                يمكن النظر إلى الجملة العصبية بوصفها حكومة، بوصفها منسِّقاً يوجِّه التنبيه والرقاد وفق الحاجات الراهنة.
                ماذا يحدث في الإنهاك؟ هذه الحكومة التي سممها التعبُ تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للرسائل دون أن تراقبها. وتلك هي الفوضى الكلية؛ ومن المؤكد أن السير الوظائفي الجيد للقشرة الدماغية منوط بالخلايا العصبية في حالة جيدة، ومنوط أيضاً بما تقوم به الجملة العصبية من تصحيح لتوجيه التنبيه.
                هذه الرسائل المتوجهة تتوزّع بصورة غير سوية في حالة الإنهاك. ثمة إذن في هذه الحالة:
                أ ــ إما سيطرة التنبيه سيطرة غير طبيعية، وتلك هي حالة الهياج.
                ب ــ وإما سيطرة الكف سيطرة غير طبيعية، وتلك هي حالة الاكتئاب.
                وتستجيب المراكز العصبية بمبالغة إلى الرسائل التي تتلقاها في الهياج، فالكف الطبيعي لا يحدث أبداً. ويصبح الهائج عاجزاً عن ردع الاندفاعات التي لا تفيد، فحركاته تثيرها محركات قوية في حين أن ظروف الرسائل لا تحتاجها على الإطلاق.
                الهائج يشعر بأنه أحسن حالاً من المكتئب:
                تختفي الأفكار السوداء في الهياج وتخلي مكانها لعواطف الفرح الشديد والزهو، وتنطلق حيوية هائلة؛ ولكن ثمة إحساسات قاسية بالتعب الشديد تبقى مع ذلك وتزداد. فإذا كان المكتئب هادئاً إلى حدّ المبالغة في هدوئه فإن الهائج نشيط إلى حدّ المبالغة في نشاطه. ولكن الهياج ينزل من جديد نحو الاكتئاب بعد خمس دقائق، أو بعد عام، اكتئاب ستكون شدته أكبر بمقدار ما يكون الهياج قد استنفذ من احتياطي الطاقة.
                الهائج يحتقر المكتئب أحياناً:
                إن سلوك المكتئب الخارجي يعبر تعبيراً واضحاً عن حالته الداخلية، وليس الأمر على هذا النحو لدى الهائج، بل على العكس. فعلى الرغم من أنه مكتئب، يقول سلوكه الخارجي عكس ذلك بالضبط.
                والهائج أكثر تعباً من المكتئب الحقيقي.
                علاج الاكتئاب:
                علينا، قبل كل شيء، أن نفتش عن:
                أ ــ طبيعة الحالة الاكتئابية، فلا مناص من أن نرفع القشرة لنكتشف الجرح.
                ب ــ أسباب هذا الجرح. ومن هنا ينطلق العلاج؛ فالفحص الطبي الكامل أمر لا غنى عنه، وبخاصة الفحص الطبي العصبي والمزاجي والكلوي والكبدي. ثم الفحص السيكولوجي الذي يكشف عما إذا كان ثمة دوافع نفسية سببت الإنهاك والاكتئاب. وكذلك يمكن الاعتماد على علم النفس لمعرفة إنْ كان ثمة اضطرابات أخلاقية تلت الاكتئاب الجسمي.
                إن الظاهرتين العصبيتين الكبيرتين هما، كما نعلم، توليد الحركة والكف. فإعادة هذا التوازن العصبي الرائع هي الهدف النهائي للعلاج.
                الطرق الرئيسة التي يتم بها تبديد الطاقة:
                أ ــ بعثرة الجهود:
                لا مناص من الطلب إلى المكتئبين أن يقللوا من صرف الطاقة حتى يتسنَّى لهم أن يجمعوا منها رأس مال. عليهم أن يتعلموا العيش (بصورة مؤقتة) بالوسائل الموجودة في حوزتهم. عليهم أن يجعلوا مجال حياتهم أقل اتساعاً. إن القرارات التي لا بد أن يتخذها المكتئبون هي، على الغالب، صرف هائل للطاقة بالنسبة إليهم، فقد يحدث إذن أن يكون لا مناص لعالم النفس من أن يتخذ هذه القرارات خلال مدة ما من الزمن؛ وذلك ما يتيح للمكتئبين أن "يعوموا" وأن يتجنَّبوا ضروباً من التردد المنهكة. قد يشعرون بضرب من "الحياة الذابلة"، وربما كان هذا الشعور مزعجاً، ولكنه ضروري ومؤقت على وجه الدقة. ومع ذلك، فإنه يتيح للعلاج أن يعطي كامل مفعوله. يبدأ المكتئب بالاهتمام بما يحيط به. وبما أنه يهتم، فهو يتصرف. ذلك أن التصرف فِعل آلي منوط بالقوة التي تم استرجاعها. ومن الملاحظ عندئذ أن المكتئب يستأنف القيام بأعماله المنزلية، وأفعاله الإرادية، والتقرير، والنظام، ويلاحظ كذلك بأنه ينهض باكراً، ويفقد الاهتمام تدريجياً بكل ما كان يلازمه من قبل، وهذا وضع طبيعي تماماً.
                ب ــ تمركز انتباه المكتئب على بعض الاضطرابات:
                ثمة مقدار من الطاقة يتبدد، هنا أيضاً، دونما حاجة إليه؛ فالسواد الأعظم من المكتئبين، على سبيل المثال، يسيطر عليهم وسواس التعب. إن المشكل الرئيس هو: ما هي الأعمال المنهكة بالنسبة إلى هذا المكتئب؟.. يلازم وسواس الاضطرابات المعدية أيضاً سواد المكتئبين، فإفراز الغدد المعدية يقلّ في الاكتئاب؛ وينبغي لنا أن نحارب بكل ما أوتينا من قوة "تمركز" المكتئب على أمعائه وغذائه وإمساكاته. ويمركز بعض المكتئبين الآخرين انتباههم على لسانهم ليروا انعكاس معدتهم على وجه الدقة..
                ولا بد من أن تعرض والوثائق الطبية على المريض (الفحوص السريرية، الصور الشعاعية) وأن تناقش معه. فلا مناص من أن يواجه الحقيقة التي تخص اضطراباته الجسمية.. وستُكشف إذن ضروب التبعثر الكبرى للطاقة بعناية، ذلك أن هدف علاج المكتئب هو توحيد الشخص.
                جـ ــ كل مكتئب مرضه ذو أساس سيكولوجي يتصف بأنه غير متكيف: لا يحدث التكيف إذا كان ثمة قصور في التكيف؛ ويمكن أن يتأتى هذا القصور عن أسباب عديدة: نقص في الذكاء، ونقص في الفهم، وذهنية ضيقة، وانفعالية، وعقد سيكولوجية موجودة من قبل، وآراء شديدة الرسوخ، وعواطف وطنية أو دينية مشوَّهة..
                يمكن القول إذاً: إذا لم يحدث التكيف في هذه الحالة، فذلك إنما مرده أن تصفية الوضع لم تتم. وعندئذ يبقى الشخص مثبتاً على الحدث الذي سبب الصدمة، ويتصرف في الزمن الحالي بانفعالات تعود إلى الزمن الماضي.
                لا مناص من البحث عن سائر الأوضاع التي لم تتم تصفيتها لدى المكتئب مهما كان الزمن الذي ترجع إليه في الماضي بعيداً.
                والخلاصة:
                عمل متواصل تعب راحة عمل سوي
                عمل متواصل تعب شديد (ممتع) راحة (طويلة) عمل سوي
                عمل متواصل تعب (مزعج) خبل (نوم عميق جداً) عمل غير سوي (أو غير متواصل
                عمل هائج إنهاك عدم القدرة على الراحة عمل هائج غير سوي

                بصراحة هذا ملخص صغير جدا .. الكتاب أكثر من رائع

                مودتي
                المشكلة أنكم لم تدركوا أن نصفي العاقل أصبح مجنونا

                تعليق

                يعمل...
                X