Unconfigured Ad Widget

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دعوة لحفظ القرآن الكريم عن طريق المنتدى ........

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الآية رقم ‏(‏26‏)‏


    ‏{‏قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير‏}‏

    قال علي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لما أراد الله تعالى أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن يا رب تهبط بنا دار الذنوب وإلى من يعصيك فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا يقرأكن عبد عقب كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت‏)‏‏.‏ وقال معاذ بن جبل‏:‏ احتبست عن النبي صلى الله عليه وسلم يوما فلم أصل معه الجمعة فقال‏:‏ ‏(‏يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة‏)‏‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، كان ليوحنا بن باريا اليهودي علي أوقية من تبر وكان على بابي يرصدني فأشفقت أن يحبسني دونك‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أتحب يا معاذ أن يقضي الله دينك‏)‏‏؟‏ قلت نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏قل كل يوم قل اللهم مالك الملك - إلى قوله - بغير حساب رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا لأداه الله عنك‏)‏‏.‏ خرجه أبو نعيم الحافظ، أيضا عن عطاء الخراساني أن معاذ بن جبل قال‏:‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات من القرآن - أو كلمات - ما في الأرض مسلم يدعو بهن وهو مكروب أو غارم أو ذو دين إلا قضى الله عنه وفرج همه، احتبست عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذكره‏.‏ غريب من حديث عطاء أرسله عن معاذ‏.‏ وقال ابن عباس وأنس بن مالك‏:‏ لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود‏:‏ هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏ وقيل‏:‏ نزلت دامغة لباطل نصارى أهل نجران في قولهم‏:‏ إن عيسى هو الله؛ وذلك أن هذه الأوصاف تبين لكل صحيح الفطرة أن عيسى ليس في شيء منها‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ أعلم الله عز وجل في هذه الآية بعنادهم وكفرهم، وإن عيسى صلى الله عليه وسلم وإن كان الله تعالى أعطاه آيات تدل على نبوته من إحياء الموتى وغير ذلك فإن الله عز وجل هو المنفرد بهذه الأشياء؛ من قوله‏{‏تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء‏{‏‏.‏ وقوله‏{‏تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب‏}‏آل عمران‏:‏ 27‏]‏ فلو كان عيسى إلها كان هذا إليه؛ فكان في ذلك اعتبار وآية بينة‏.‏

    قوله تعالى‏{‏قل اللهم‏{‏ اختلف النحويون في تركيب لفظة ‏{‏اللهم‏{‏ بعد إجماعهم أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة، وأنها منادى؛ وقد جاءت مخففة الميم في قول الأعشى‏:‏

    كدعوة من أبي رباح يسمعها اللهم الكبار

    قال الخليل وسيبويه وجميع البصريين‏:‏ إن أصل اللهم يا الله، فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو ‏{‏يا‏{‏ جعلوا بدله هذه الميم المشددة، فجاؤوا بحرفين وهما الميمان عوضا من حرفين وهما الياء والألف، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد‏.‏ وذهب الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير؛ فحذف وخلط الكلمتين، وإن الضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفت الهمزة انتقلت الحركة‏.‏ قال النحاس‏:‏ هذا عند البصريين من الخطأ العظيم، والقول في هذا ما قاله الخليل وسيبويه‏.‏ قال الزجاج‏:‏ محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء المفرد، وأن يجعل في اسم الله ضمة أُمّ، هذا إلحاد في اسم الله تعالى‏.‏ قال ابن عطية‏:‏ وهذا غلو من الزجاج، وزعم أنه ما سمع قط يا ألله أُمّ، ولا تقول العرب يا اللهم‏.‏ وقال الكوفيون‏:‏ إنه قد يدخل حرف النداء على ‏{‏اللهم‏{‏ وأنشدوا على ذلك قول الراجز‏:‏

    غفرت أو عذبت يا اللهما

    آخر‏:‏

    وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهم ما

    اردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدما


    آخر‏:‏

    إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما

    قالوا‏:‏ فلو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعا‏.‏ قال الزجاج‏:‏ وهذا شاذ ولا يعرف قائله، ولا يترك له ما كان في كتاب الله وفي جميع ديوان العرب؛ وقد ورد مثله في قوله‏:‏

    هما نفثا في فيّ من فمويهما على النابح العاوي أشد رجام

    قال الكوفيون‏:‏ وإنما تزاد الميم مخففة في فم وابنم، وأما ميم مشددة فلا تزاد‏.‏ وقال بعض النحويين‏:‏ ما قاله الكوفيون خطأ؛ لأنه لو كان كما قالوا كان يجب أن يقال‏{‏اللهم‏{‏ ويقتصر عليه لأنه معه دعاء‏.‏ وأيضا فقد تقول‏:‏ أنت اللهم الرزاق‏.‏ فلو كان كما ادعوا لكنت قد فصلت بجملتين بين الابتداء والخبر‏.‏ قال النضر بن شميل‏:‏ من قال اللهم فقد دعا الله تعالى بجميع أسمائه كلها وقال الحسن‏:‏ اللهم تجمع الدعاء‏.‏

    قوله تعالى‏{‏مالك الملك‏{‏ قال قتادة‏:‏ بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل أن يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله هذه الآية‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له ملك فارس والروم في أمته؛ فعلمه الله تعالى بأن يدعو بهذا الدعاء‏.‏ وقد تقدم معناه‏.‏ و‏{‏مالك‏{‏ منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان؛ ومثله قوله تعالى‏{‏قل اللهم فاطر السموات والأرض‏}‏الزمر‏:‏ 46‏]‏ ولا يجوز عنده أن يوصف اللهم لأنه قد ضمت إليه الميم‏.‏ وخالفه محمد بن يزيد وإبراهيم بن السري الزجاج فقالا‏{‏مالك‏{‏ في الإعراب صفة لاسم الله تعالى، وكذلك ‏{‏فاطر السموات والأرض‏{‏‏.‏ قال أبو علي؛ هو مذهب أبي العباس المبرد؛ وما قاله سيبويه أصوب وأبين؛ وذلك أنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد ‏{‏اللهم‏{‏ لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت، والأصوات لا توصف؛ نحو غاق وما أشبهه‏.‏ وكان حكم الاسم المفرد ألا يوصف وإن كانوا قد وصفوه في مواضع‏.‏ فلما ضم هنا ما لا يوصف إلى ما كان قياسه ألا يوصف صار بمنزلة صوت ضم إلى صوت؛ نحو حيهل فلم يوصف‏.‏ و‏{‏الملك‏{‏ هنا النبوة؛ عن مجاهد‏.‏ وقيل، الغلبة‏.‏ وقيل‏:‏ المال والعبيد‏.‏ الزجاج‏:‏ المعنى مالك العباد وما ملكوا‏.‏ وقيل‏:‏ المعنى مالك الدنيا والآخرة‏.‏ ومعنى ‏{‏تؤتي الملك‏{‏ أي الإيمان والإسلام‏.‏ ‏{‏من تشاء‏{‏ أي من تشاء أن تؤتيه إياه، وكذلك ما بعده، ولا بد فيه من تقدير الحذف، أي وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه، ثم حذف هذا، وأنشد سيبويه‏:‏

    ألا هل لهذا الدهر من متعلل على الناس مهما شاء بالناس يفعل

    قال الزجاج‏:‏ مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل‏.‏ وقوله‏{‏تعز من تشاء‏{‏ يقال‏:‏ عز إذا علا وقهر وغلب؛ ومنه، ‏{‏وعزني في الخطاب‏}‏ص‏:‏ 23‏]‏‏.‏ ‏{‏وتذل من تشاء‏{‏ ذل يذل ذلا إذا غلب وعلا وقهر‏.‏ قال طرفة‏:‏

    بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ذليل بأجماع الرجال ملهد
    ‏{‏ بيدك الخير‏{‏ أي بيدك الخير والشر فحذف؛ كما قال‏{‏سرابيل تقيكم الحر‏}‏النحل‏:‏ 81‏]‏‏.‏ وقيل‏:‏ خص الخير لأنه موضع دعاء ورغبة في فضله‏.‏ قال النقاش‏:‏ بيدك الخير، أي النصر والغنيمة‏.‏ وقال أهل الإشارات‏.‏ كان أبو جهل يملك المال الكثير، ووقع في الرس يوم بدر، والفقراء صهيب وبلال وخباب لم يكن لهم مال، وكان ملكهم الإيمان، ‏{‏قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء‏{‏ تقيم الرسول يتيم أبي طالب على رأس الرس حتى ينادي أبدانا قد انقلبت إلى القليب‏:‏ يا عتبة، يا شيبة تعز من تشاء وتذل من تشاء‏.‏ أي صهيب، أي بلال، لا تعتقدوا أنا منعناكم من الدنيا ببغضكم‏.‏ بيدك الخير ما منعكم من عجز ‏{‏إنك على كل شيء قدير‏{‏ إنعام الحق عام يتولى من يشاء‏.‏
    أبواسلام.
    كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
    رابطة الجرافيك الدعوى

    تعليق


    • الاية رقم ‏(‏27‏)‏


      ‏{‏تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب‏}‏
      قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي في معنى قوله ‏{‏تولج الليل في النهار‏{‏ الآية، أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر، حتى يصير النهار خمس عشرة ساعة وهو أطول ما يكون، والليل تسع ساعات وهو أقصر ما يكون، وكذا ‏{‏تولج النهار في الليل‏{‏ وهو قول الكلبي، وروى عن ابن مسعود‏.‏ وتحتمل ألفاظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار، كأن زوال أحدهما ولوج في الآخر‏.‏ واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى‏{‏وتخرج الحي من الميت‏{‏ فقال الحسن‏:‏ معناه تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وروي نحوه عن سلمان الفارسي‏.‏ وروي معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على نسائه فإذا بامرأة حسنة الهيئة قال‏:‏ ‏(‏من هذه‏)‏‏؟‏ قلن إحدى خالاتك‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏ومن هي‏)‏‏؟‏ قلن‏:‏ هي خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏سبحان الذي يخرج الحي من الميت‏)‏‏.‏ وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا‏.‏ فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن؛ فالموت والحياة مستعاران‏.‏ وذهب كثير من العلماء إلى أن الحياة والموت في الآية حقيقتان؛ فقال عكرمة‏:‏ هي إخراج الدجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة، وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية‏.‏ وقال ابن مسعود‏:‏ هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة‏.‏ وقال عكرمة والسدي‏:‏ هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة، والنواة من النخلة والنخلة تخرج من النواة؛ والحياة في النخلة والسنبلة تشبيه‏.‏ ثم قال‏{‏وترزق من تشاء بغير حساب‏{‏ أي بغير تضييق ولا تقتير؛ كما تقول‏:‏ فلان يعطي بغير حساب؛ كأنه لا يحسب ما يعطي‏.‏

      الآية رقم ‏(‏28‏)‏


      ‏{‏لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير‏}‏

      قال ابن عباس‏:‏ نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء؛ ومثله ‏{‏لا تتخذوا بطانة من دونكم‏}‏آل عمران 118‏]‏ وهناك يأتي بيان هذا المعنى‏.‏ ومعنى ‏{‏فليس من الله في شيء‏{‏ أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء؛ مثل ‏{‏واسأل القرية‏}‏يوسف‏:‏ 82‏]‏‏.‏ وحكى سيبويه ‏{‏هو مني فرسخين‏{‏ أي من أصحابي ومعي‏.‏ ثم استثنى فقال‏{‏إلا أن تتقوا منهم تقاة‏{‏ قال معاذ بن جبل ومجاهد‏:‏ كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين؛ فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل ولا يأتي مأثما‏.‏ وقال الحسن‏:‏ التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل‏.‏ وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك‏{‏إلا أن تتقوا منهم تقية‏{‏ وقيل‏:‏ إن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم‏.‏ ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر؛ بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في ‏{‏النحل‏{‏ إن شاء الله تعالى‏.‏ وأمال حمزة والكسائي ‏{‏تقاة‏{‏، وفخم الباقون؛ وأصل ‏{‏تقاة‏{‏ وُقَيَة على وزن فعلة؛ مثل تؤدة وتهمة، قلبت الواو تاء والياء ألفا‏.‏ وروى الضحاك عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري وكان بدريا تقيا وكان له حلف من اليهود؛ فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال عبادة‏:‏ يا نبي الله، إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو‏.‏ فأنزل الله تعالى‏{‏لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‏{‏ الآية‏.‏ وقيل‏:‏ إنها نزلت في عمار بن ياسر حين تكلم ببعض ما أراد منه المشركون، على ما يأتي بيانه في ‏{‏النحل‏]‏‏.‏
      قوله تعالى‏{‏ويحذركم الله نفسه‏{‏ قال الزجاج‏:‏ أي ويحذركم الله إياه‏.‏ ثم استغنوا عن ذلك بذا وصار المستعمل؛ قال تعالى‏{‏تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك‏}‏المائدة‏:‏ 116‏]‏ فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك‏.‏ وقال غيره‏:‏ المعنى ويحذركم الله عقابه؛ مثل ‏{‏واسأل القرية‏{‏‏.‏ وقال‏{‏تعلم ما في نفسي‏{‏ أي مغيبي، فجعلت النفس في موضع الإضمار لأنه فيها يكون‏.‏ ‏{‏وإلى الله المصير‏{‏ أي وإلى جزاء الله المصير‏.‏ وفيه إقرار بالبعث‏.‏
      أبواسلام.
      كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
      رابطة الجرافيك الدعوى

      تعليق


      • الآية رقم ‏(‏29‏)‏


        ‏{‏قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير‏}‏
        فهو العالم بخفيات الصدور وما اشتملت عليه، وبما في السموات والأرض وما احتوت عليه، علام الغيوب لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا يغيب عنه شيء، سبحانه لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة‏.‏

        الآية رقم ‏(‏30‏)‏


        ‏{‏يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد‏}‏

        ‏{‏يوم‏{‏ منصوب متصل بقوله‏{‏ويحذركم الله نفسه‏.‏ يوم تجد‏{‏‏.‏ وقيل‏:‏ هو متصل بقوله‏{‏وإلى الله المصير‏.‏ يوم تجد‏{‏‏.‏ وقيل‏:‏ هو متصل بقوله‏{‏والله على كل شيء قدير‏.‏ يوم تجد‏{‏ ويجوز أن يكون منقطعا على إضمار اذكر؛ ومثله قوله‏{‏إن الله عزيز ذو انتقام‏.‏ يوم تبدل الأرض‏}‏إبراهيم‏:‏47، 48‏]‏‏.‏ و‏{‏محضرا‏{‏ حال من الضمير المحذوف من صلة ‏{‏ما‏{‏ تقديره يوم تجد كل نفس ما عملته من خير محضرا‏.‏ هذا على أن يكون ‏{‏تجد‏{‏ من وجدان الضالة‏.‏ و‏{‏ما‏{‏ من قوله ‏{‏وما عملت من سوء‏{‏ عطف على ‏{‏ما‏{‏ الأولى‏.‏ و‏{‏تود‏{‏ في موضع الحال من ‏{‏ما‏{‏ الثانية‏.‏ وإن جعلت ‏{‏تجد‏{‏ بمعنى تعلم كان ‏{‏محضرا‏{‏ المفعول الثاني، وكذلك تكون ‏{‏تود‏{‏ في موضع المفعول الثاني؛ تقديره يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت محضرا‏.‏ ويجوز أن تكون ‏{‏ما‏{‏ الثانية رفعا بالابتداء، و‏{‏تود‏{‏ في موضع رفع على أنه خبر الابتداء، ولا يصح أن تكون ‏{‏ما‏{‏ بمعنى الجزاء؛ لأن ‏{‏تود‏{‏ مرفوع، ولو كان ماضيا لجاز أن يكون جزاء، وكان يكون معنى الكلام‏:‏ وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا؛ أي كما بين المشرق والمغرب‏.‏ ولا يكون المستقبل إذا جعلت ‏{‏ما‏{‏ للشرط إلا مجزوما؛ إلا أن تحمله على تقدير حذف الفاء، على تقدير‏:‏ وما عملت من سوء فهي تود‏.‏ أبو علي‏:‏ هو قياس قول الفراء عندي؛ لأنه قال في قوله تعالى‏{‏وإن أطعتموهم إنكم لمشركون‏}‏الأنعام‏:‏ 121‏]‏‏:‏ إنه على حذف الفاء‏.‏ والأمد‏:‏ الغاية، وجمعه آماد‏.‏ ويقال‏:‏ استولى على الأمد، أي غلب سابقا‏.‏ قال النابغة‏:‏

        إلا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد
        والأمد‏:‏ الغضب‏.‏ يقال‏:‏ أمِد أمَدا، إذا غضب غضبا‏.‏
        أبواسلام.
        كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
        رابطة الجرافيك الدعوى

        تعليق


        • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
          أختى فى الله الملكة أين أنتى
          أبواسلام.
          كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
          رابطة الجرافيك الدعوى

          تعليق


          • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            يوم الأحد
            الآيات 31-35
            أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

            (*قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(34)إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) *)

            أعاننا الله وإياكم على حفظ القرآن وحسن تلاوته والعمل بأحكامه
            أبواسلام.
            كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
            رابطة الجرافيك الدعوى

            تعليق


            • الآية رقم ‏(‏31‏)‏


              ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم‏}‏

              الحب‏:‏ المحبة، وكذلك الحب بالكسر‏.‏ والحب أيضا الحبيب؛ مثل الخِدن والخَدين؛ يقال أحبه فهو محب، وحبه يحبه ‏(‏بالكسر‏)‏ فهو محبوب‏.‏ قال الجوهري‏:‏ وهذا شاذ؛ لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر‏.‏ قال أبو الفتح‏:‏ والأصل فيه حَبُب كظرف، فأسكنت الباء وأدغمت في الثانية‏.‏ قال ابن الدهان سعيد‏:‏ في حَبّ لغتان‏:‏ حَبّ وأحَبّ، وأصل ‏{‏حب‏{‏ في هذا البناء حَبُب كظرف؛ يدل على ذلك قولهم‏:‏ حَبُبْت، وأكثر ما ورد فعيل من فعل‏.‏ قال أبو الفتح‏:‏ والدلالة على أحب قوله تعالى‏{‏يحبهم ويحبونه‏}‏المائدة‏:‏ 54‏]‏ بضم الياء‏.‏ و‏{‏اتبعوني يحببكم الله‏}‏آل عمران‏:‏ 31‏]‏ و‏{‏حَبّ‏{‏ يرد على فعل لقولهم حبيب‏.‏ وعلى فعل كقولهم محبوب‏:‏ ولم يرد اسم الفاعل من حب المتعدي، فلا يقال‏:‏ أنا حاب‏.‏ ولم يرد اسم المفعول من أفعل إلا قليلا؛ كقوله‏:‏

              مني بمنزلة المحب المكرم

              وحكى أبو زيد‏:‏ حببته أحبه‏.‏ وأنشد‏:‏

              فوالله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عويف وهاشم

              وأنشد‏:‏

              لعمرك إنني وطلاب مصر لكالمزداد مما حب بعدا
              وحكى الأصمعي فتح حرف المضارعة مع الياء وحدها‏.‏ والحب الخابية، فارسي معرب، والجمع حِباب وحِبَبَة؛ حكاه الجوهري‏.‏ والآية نزلت في وفد نجران إذ زعموا أن ما ادعوه في عيسى حب لله عز وجل؛ قاله محمد بن جعفر بن الزبير‏.‏ وقال الحسن وابن جريج‏:‏ نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا‏:‏ نحن الذين نحب ربنا‏.‏ وروي أن المسلمين قالوا‏:‏ يا رسول الله، والله إنا لنحب ربنا؛ فأنزل الله عز وجل‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني‏{‏‏.‏ قال ابن عرفة‏:‏ المحبة عند العرب إرادة الشيء على قصد له‏.‏ وقال الأزهري‏:‏ محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما؛ قال الله تعالى‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني‏{‏‏.‏ ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران؛ قال الله تعالى‏{‏إن الله لا يحب الكافرين‏}‏آل عمران‏:‏ 32‏]‏ أي لا يغفر لهم‏.‏ وقال سهل بن عبدالله‏:‏ علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة؛ وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة‏.‏ وروى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏{‏ قال‏:‏ ‏(‏على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس‏)‏ خرجه أبو عبدالله الترمذي‏.‏ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من أراد أن يحبه الله فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وألا يؤذي جاره‏)‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء أن الله يبغض فلانا فأبغضوه - قال - فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض‏)‏‏.‏ وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر سورة ‏{‏مريم‏{‏ إن شاء الله تعالى‏.‏ وقرأ أبو رجاء العطاردي ‏(‏فاتبعوني‏)‏ بفتح الباء، ‏{‏ويغفر لكم‏{‏ عطف على ‏{‏يحببكم‏{‏‏.‏ وروى محبوب عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من ‏{‏يغفر‏{‏ في اللام من ‏{‏لكم‏{‏‏.‏ قال النحاس‏:‏ لا يجيز الخليل وسيبويه إدغام الراء في اللام، وأبو عمرو أجل من أن يغلط في مثل هذا، ولعله كان يخفي الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة‏.‏

              الآية رقم ‏(‏32‏)‏


              ‏{‏قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين‏}‏

              قوله تعالى‏{‏قل أطيعوا الله والرسول‏{‏ يأتي بيانه في ‏(‏النساء‏)‏‏.‏

              ‏{‏فإن تولوا‏{‏ شرط، إلا أنه ماض لا يعرب‏.‏ والتقدير فإن تولوا على كفرهم وأعرضوا عن طاعة الله ورسوله ‏{‏فإن الله لا يحب الكافرين‏{‏ أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم كما تقدم‏.‏ وقال ‏{‏فإن الله‏{‏ ولم يقل ‏{‏فإنه‏{‏ لأن العرب إذا عظمت الشيء أعادت ذكره؛ وأنشد سيبويه‏:‏
              لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

              الآية رقم ‏(‏33‏)‏


              ‏{‏إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين‏}‏

              قوله تعالى‏{‏إن الله اصطفى آدم ونوحا‏{‏ اصطفى اختار، وقد تقدم في البقرة‏.‏ وتقدم فيها اشتقاق آدم وكنيته، والتقدير إن الله اصطفى دينهم وهو دين الإسلام؛ فحذف المضاف‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ اختارهم للنبوة على عالمي زمانهم‏.‏ ‏{‏ونوحا‏{‏ قيل إنه مشتق من ناح ينوح، وهو اسم أعجمي إلا أنه انصرف لأنه على ثلاثة أحرف، وهو شيخ المرسلين، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر القرابات، ومن قال‏:‏ إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم على ما يأتي بيانه في ‏{‏الأعراف‏{‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

              قوله تعالى‏{‏وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين‏{‏ تقدم في البقرة معنى الآل وعلى ما يطلق مستوفى‏.‏ وفي البخاري عن ابن عباس قال‏:‏ آل إبراهيم وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد؛ يقول الله تعالى‏{‏إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين‏}‏آل عمران‏:‏ 68‏]‏ وقيل‏:‏ آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم‏.‏ وقيل‏:‏ آل إبراهيم نفسه، وكذا آل عمران؛ ومنه قوله تعالى‏{‏وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون‏}‏البقرة‏:‏ 248‏]‏‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود‏)‏؛ وقال الشاعر‏:‏

              ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه علي وعباس وآل أبي بكر

              وقال آخر‏:‏

              يلاقي من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العداد
              أراد من تذكر ليلى نفسها‏.‏ وقيل‏:‏ آل عمران آل إبراهيم؛ كما قال‏{‏ذرية بعضها من بعض‏}‏آل عمران‏:‏ 34‏]‏‏.‏ وقيل‏:‏ المراد عيسى، لأن أمه ابنة عمران‏.‏ وقيل‏:‏ نفسه كما ذكرنا‏.‏ قال مقاتل‏:‏ هو عمران أبو موسى وهارون، وهو عمران بن يصهر لن فاهاث بن لاوى بن يعقوب‏.‏ وقال الكلبي‏:‏ هو عمران أبو مريم، وهو من ولد سليمان عليه السلام‏.‏ وحكى السهيلي‏:‏ عمران بن ماتان، وامرأته حنة ‏(‏بالنون‏)‏‏.‏ وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء لأن الأنبياء والرسل بقضهم وقضيضهم من نسلهم‏.‏ ولم ينصرف عمران لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين‏.‏ ومعنى قوله‏{‏على العالمين‏{‏ أي على عالمي زمانهم، في قول أهل التفسير‏.‏ وقال الترمذي الحكيم أبو عبدالله محمد بن علي‏:‏ جميع الخلق كلهم‏.‏ وقيل ‏{‏على العالمين‏{‏‏:‏ على جميع الخلق كلهم إلى يوم الصور، وذلك أن هؤلاء رسل وأنبياء فهم صفوة الخلق؛ فأما محمد صلى الله عليه وسلم فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه حبيب ورحمة‏.‏ قال الله تعالى‏{‏وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏}‏الأنبياء‏:‏ 107‏]‏ فالرسل خلقوا للرحمة، ومحمد صلى الله عليه وسلم خلق بنفسه رحمة، فلذلك صار أمانا للخلق، لما بعثه الله أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور‏.‏ وسائر الأنبياء لم يحلوا هذا المحل؛ ولذلك قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏أنا رحمة مهداة‏)‏ يخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من الله‏.‏ وقوله ‏(‏مهداة‏)‏ أي هدية من الله للخلق‏.‏ ويقال‏:‏ اختار آدم بخمسة أشياء‏:‏ أولها أنه خلقه بيده في أحسن صورة بقدرته، والثاني أنه علمه الأسماء كلها، والثالث أمر الملائكة بأن يسجدوا له، والرابع أسكنه الجنة، والخامس جعله أبا البشر‏.‏ واختار نوحا بخمسة أشياء‏:‏ أولها أنه جعله أبا البشر؛ لأن الناس كلهم غرقوا وصار ذريته هم الباقين، والثاني أنه أطال عمره؛ ويقال‏:‏ طوبى لمن طال عمره وحسن عمله، والثالث أنه استجاب دعاءه على الكافرين والمؤمنين، والرابع أنه حمله على السفينة، والخامس أنه كان أول من نسخ الشرائع؛ وكان قبل ذلك لم يحرم تزويج الخالات والعمات‏.‏ واختار إبراهيم بخمسة أشياء‏:‏ أولها أنه جعله أبا الأنبياء؛ لأنه‏"‏روى أنه خرج من صلبه ألف نبي من زمانه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني أنه اتخذه خليلا، والثالث أنه أنجاه من النار، والرابع أنه جعله إماما للناس، والخامس أنه ابتلاه بالكلمات فوفقه حتى أتمهن‏.‏ ثم قال‏{‏وآل عمران‏{‏ فإن كان عمران أبا موسى وهارون فإنما اختارهما على العالمين حيث بعث على قومه المن والسلوى وذلك لم يكن لأحد من الأنبياء في العالم‏.‏ وإن كان أبا مريم فإنه اصطفى له مريم بولادة عيسى بغير أب ولم يكن ذلك لأحد في العالم‏.‏ والله أعلم‏.‏

              أبواسلام.
              كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
              رابطة الجرافيك الدعوى

              تعليق


              • الآية رقم ‏(‏34‏)‏


                ‏{‏ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم‏}‏
                تقدم في البقرة معنى الذرية واشتقاقها‏.‏ وهي نصب على الحال؛ قاله الأخفش‏.‏ أي في حال كون بعضهم من بعض، أي ذرية بعضها من ولد بعض‏.‏ الكوفيون‏:‏ على القطع‏.‏ الزجاج‏:‏ بدل، أي اصطفى ذرية بعضها من بعض، ومعنى بعضها من بعض، يعني في التناصر في الدين؛ كما قال‏{‏المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض‏}‏التوبة‏:‏ 67‏]‏ يعني في الضلالة؛ قاله الحسن وقتادة‏.‏ وقيل‏:‏ في الاجتباء والاصطفاء والنبوة‏.‏ وقيل‏:‏ المراد به التناسل، وهذا أضعفها‏.‏

                الآية رقم ‏(‏35‏)‏


                ‏{‏إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتتقبل مني إنك أنت السميع العليم‏}‏

                قوله تعالى‏{‏إذ قالت امرأة عمران‏{‏ قال أبو عبيدة‏{‏إذ‏{‏ زائدة‏.‏ وقال محمد بن يزيد‏:‏ التقدير‏:‏ اذكر إذ‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ المعنى واصطفى آل عمران إذ قالت امرأة عمران‏.‏ وهي حنة ‏(‏بالحاء المهملة والنون‏)‏ بنت فاقود بن قنبل أم مريم جدة عيسى عليه السلام، وليس باسم عربي ولا يعرف في العربية حنة اسم امرأة‏.‏ وفي العربية أبو حنة البدري، ويقال فيه‏:‏ أبو حبة ‏(‏بالباء بواحدة‏)‏ وهو أصح، واسمه عامر، ودير حنة بالشأم، ودير آخر أيضا يقال له كذلك؛ قال أبو نواس‏:‏

                يا دير حنة من ذات الأكيراح من يصح عنك فإني لست بالصاحي

                وحبة في العرب كثير، منهم أبو حبة الأنصاري، وأبو السنابل بن بعكك المذكور في حديث سبيعة حبة، ولا يعرف خنة بالخاء المعجمة إلا بنت يحيى بن أكثم القاضي، وهي أم محمد بن نصر، ولا يعرف جنة ‏(‏بالجيم‏)‏ إلا أبو جنة، وهو خال ذي الرمة الشاعر‏.‏ كل هذا من كتاب ابن ماكولا‏.‏

                قوله تعالى‏{‏رب إني نذرت لك ما في بطني محررا‏{‏ تقدم معنى النذر، وأنه لا يلزم العبد إلا بأن يلزمه نفسه‏.‏ ويقال‏:‏ إنها لما حملت قالت‏:‏ لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لجعلته محررا‏.‏ ومعنى ‏{‏لك‏{‏ أي لعبادتك‏.‏ ‏{‏محررا‏{‏ نصب على الحال، وقيل‏:‏ نعت لمفعول محذوف، أي إني نذرت لك ما في بطني غلاما محررا، والأول أولى من جهة التفسير وسياق الكلام والإعراب‏:‏ أما الإعراب فإن إقامة النعت مقام المنعوت لا يجوز في مواضع، ويجوز على المجاز في أخرى، وأما التفسير فقيل أن سبب قول امرأة عمران هذا أنها كانت كبيرة لا تلد، وكانوا أهل بيت من الله بمكان، وإنها كانت تحت شجرة فبصرت بطائر يزق فرخا فتحركت نفسها لذلك، ودعت ربها أن يهب لها ولدا، ونذرت إن ولدت أن تجعل ولدها محررا‏:‏ أي عتيقا خالصا لله تعالى، خادما للكنيسة حبيسا عليها، مفرغا لعبادة الله تعالى‏.‏ وكان ذلك جائزا في شريعتهم، وكان على أولادهم أن يطيعوهم‏.‏ فلما وضعت مريم قالت‏{‏رب إني وضعتها أنثى‏{‏ يعني أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة‏.‏ قيل لما يصيبها من الحيض والأذى‏.‏ وقيل‏:‏ لا تصلح لمخالطة الرجال‏.‏ وكانت ترجو أن يكون ذكرا فلذلك حررت‏.‏

                قال ابن العربي‏{‏لا خلاف أن امرأة عمران لا يتطرق إلى حملها نذر لكونها حرة، فلو كانت امرأته أمة فلا خلاف أن المرء لا يصح له نذر في ولده وكيفما تصرفت حاله؛ فإنه إن كان الناذر عبدا فلم يتقرر له قول في ذلك؛ وإن كان حرا فلا يصح أن يكون مملوكا له، وكذلك المرأة مثله؛ فأي وجه للنذر فيه‏؟‏ وإنما معناه - والله أعلم - أن المرء إنما يريد ولده للأنس به والاستنصار والتسلي، فطلبت هذه المرأة الولد أنسا به وسكونا إليه؛ فلما من الله تعالى عليها به نذرت أن حظها من الأنس به متروك فيه، وهو على خدمة الله تعالى موقوف، وهذا نذر الأحرار من الأبرار‏.‏ وأرادت به محررا من جهتي، محررا من رق الدنيا وأشغالها؛ وقد قال رجل من الصوفية لأمه‏:‏ يا أمه‏:‏ ذريني لله أتعبد له وأتعلم العلم، فقالت نعم‏.‏ فسار حتى تبصر ثم عاد إليها فدق الباب، فقالت من‏؟‏ فقال لها‏:‏ ابنك فلان، قالت‏:‏ قد تركناك لله ولا نعود فيك‏.‏

                قوله تعالى‏{‏محررا‏{‏ مأخوذ من الحرية التي هي ضد العبودية؛ من هذا تحرير الكتاب، وهو تخليصه من الاضطراب والفساد‏.‏ وروى خصيف عن عكرمة ومجاهد‏:‏ أن المحرر الخالص لله عز وجل لا يشوبه شيء من أمر الدنيا‏.‏ وهذا معروف في اللغة أن يقال لكل ما خلص‏:‏ حر، ومحرر بمعناه؛ قال ذو الرمة‏:‏

                والقرط في حرة الذفرى معلقه تباعد الحبل منه فهو يضطرب
                وطين حر لا رمل فيه، وباتت فلانة بليلة حرة إذا لم يصل إليها زوجها أول ليلة؛ فإن تمكن منها فهي بليلة شيباء‏.‏
                أبواسلام.
                كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
                رابطة الجرافيك الدعوى

                تعليق


                • السلام عليكم

                  تم الحفظ الى الاية 30

                  الى الامام

                  تعليق


                  • الى الآمام ان شاء الله يا شباب



                    بأبي أنت وأمي يا رسول الله



                    فدتك نجد و طيبة ومكة وأرض الأسراء


                    اللهم احشرني مع نبيك يوم يكون اللقاء


                    اجمل شئ في الحياة حينما تكتشف اناس قلوبهم مثل اللؤلؤ المكنون في الرقة والبريق والنقاء قلوبهم مثل افئدة الطير
                    اللهم اني احبهم فيك

                    لك نصحي وما عليك جدالي ........وافة النصح ان يكون جدال

                    دعوة لحفظ القرآن الكريم عن طريق المنتدى









                    تعليق


                    • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                      يوم الإثنين
                      الآيات
                      36-40

                      (* فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (40)*)

                      اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
                      اللهم أعنا على القرآن وحسن تلاوته والعمل بأحكامه
                      أبواسلام.
                      كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
                      رابطة الجرافيك الدعوى

                      تعليق


                      • الآية رقم ‏(‏36‏)‏


                        ‏{‏فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏

                        قوله تعالى‏{‏فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى‏{‏ قال ابن عباس‏:‏ إنما قالت هذا لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكور، فقبل الله مريم‏.‏ ‏{‏وأنثى‏{‏ حال، وإن شئت بدل‏.‏ فقيل‏:‏ إنها ربتها حتى ترعرعت وحينئذ أرسلتها؛ رواه أشهب عن مالك‏:‏ وقيل‏:‏ لفتها في خرقتها وأرسلت بها إلى المسجد، فوفت بنذرها وتبرأت منها‏.‏ ولعل الحجاب لم يكن عندهم كما كان في صدر الإسلام؛ ففي البخاري ومسلم أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فماتت‏.‏ الحديث‏.‏

                        قوله تعالى‏{‏والله أعلم بما وضعت‏{‏ هو على قراءة من قرأ ‏{‏وضعت‏{‏ بضم التاء من جملة كلامها؛ فالكلام متصل‏.‏ وهي قراءة أبي بكر وابن عامر، وفيها معنى التسليم لله والخضوع والتنزيه له أن يخفى عليه شيء، ولم تقله على طريق الإخبار لأن علم الله في كل شيء قد تقرر في نفس المؤمن، وإنما قالته على طريق التعظيم والتنزيه لله تعالى‏.‏ وعلى قراءة الجمهور هو من كلام الله عز وجل قدم، وتقديره أن يكون مؤخرا بعد ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏آل عمران‏:‏ 36‏]‏ والله أعلم بما وضعت؛ قاله المهدوي‏.‏ وقال مكي‏:‏ هو إعلام من الله تعالى لنا على طريق التثبيت فقال‏:‏ والله أعلم بما وضعت أم مريم قالته أو لم تقله‏.‏ ويقوي ذلك أنه لو كان من كلام أم مريم لكان وجه الكلام‏:‏ وأنت أعلم بما وضعت؛ لأنها نادته في أول الكلام في قولها‏:‏ رب إني وضعتها أنثى‏.‏ وروي عن ابن عباس ‏{‏بما وضعت‏{‏ بكسر التاء، أي قيل لها هذا‏.‏

                        قوله تعالى‏{‏وليس الذكر كالأنثى‏{‏ استدل به بعض الشافعية على أن المطاوعة في نهار رمضان لزوجها على الوطء لا تساويه في وجوب الكفارة عليها، ابن العربي، وهذه منه غفلة، فإن هذا خبر عن شرع من قبلنا وهم لا يقولون به، وهذه الصالحة إنما قصدت بكلامها ما تشهد له به بينة حالها ومقطع كلامها، فإنها نذرت خدمة المسجد في ولدها، فلما رأته أنثى لا تصلح وأنها عورة اعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها‏.‏ ولم ينصرف ‏{‏مريم‏{‏ لأنه مؤنث معرفة، وهو أيضا أعجمي؛ قاله النحاس‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏
                        قوله تعالى‏{‏وإني سميتها مريم‏{‏ يعني خادم الرب في لغتهم‏.‏ ‏{‏وإني أعيذها بك‏{‏ يعني مريم‏.‏ ‏{‏وذريتها‏{‏ يعني عيسى‏.‏ وهذا يدل على أن الذرية قد تقع على الولد خاصة‏.‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه‏)‏ ثم قال أبو هريرة‏:‏ اقرؤوا إن شئتم‏{‏وإني أعيدها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏{‏‏.‏ قال علماؤنا‏:‏ فأفاد هذا الحديث أن الله تعالى استجاب دعاء أم مريم، فإن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها‏.‏ قال قتادة‏:‏ كل مولود يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى وأمه جعل بينهما حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ لها منه شيء، قال علماؤنا‏:‏ وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية بهما، ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواؤه فإن ذلك ظن فاسد؛ فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك فعصمهم الله مما يرومه الشيطان، كما قال تعالى‏{‏إن عبادي ليس لك عليهم سلطان‏}‏الحجر‏:‏ 42‏]‏‏.‏ هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وكل به قرينه من الشياطين؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمريم وابنها وإن عصما من نخسه فلم يعصما من ملازمته لها ومقارنته‏.‏ والله أعلم‏.‏

                        الآية رقم ‏(‏37‏)‏


                        ‏{‏فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏

                        قوله تعالى‏{‏فتقبلها ربها بقبول حسن‏{‏ المعنى‏:‏ سلك بها طريق السعداء؛ عن ابن عباس‏.‏ وقال قوم‏:‏ معنى التقبل التكفل في التربية والقيام بشأنها‏.‏ وقال الحسن‏:‏ معنى التقبل أنه ما عذبها ساعة قط من ليل ولا نهار‏.‏ ‏{‏وأنبتها نباتا حسنا‏{‏ يعني سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان، فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام واحد‏.‏ والقبول والنبات مصدران على غير المصدر، والأصل تقبلا وإنباتا‏.‏ قال الشاعر‏:‏

                        أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا

                        أراد بعد إعطائك، لكن لما قال ‏{‏أنبتها‏{‏ دل على نبت؛ كما قال امرؤ القيس‏:‏

                        فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ورضت فذلت صعبة أي إذلال

                        وإنما مصدر ذَلّت ذُلٌّ، ولكنه رده على معنى أذْلَلتْ؛ وكذلك كل ما يرد عليك في هذا الباب‏.‏ فمعنى تقبل وقبل واحد، فالمعنى فقبلها ربها بقبول حسن‏.‏ ونظيره قول رؤبة‏:‏

                        وقد تَطَوّيتُ انطواء الحِضْبِ

                        الأفعى لأن معنى تَطَوّيتُ وانطويت واحد؛ ومثله قول القطامي‏:‏

                        وخير الأمر ما استقبلت منه وليس بأن تتبعه اتباعا

                        لأن تتبعت واتبعت واحد‏.‏ وفي قراءة ابن مسعود ‏{‏وأنزل الملائكة تنزيلا ‏{‏لأن معنى نزل وأنزل واحد‏.‏ وقال المفضل‏:‏ معناه وأنبتها فنبتت نباتا حسنا‏.‏ ومراعاة المعنى أولى كما ذكرنا‏.‏ والأصل في القبول الضم؛ لأنه مصدر مثل الدخول والخروج، والفتح جاء في حروف قليلة؛ مثل الوَلوع والوزوع؛ هذه الثلاثة لا غير؛ قاله أبو عمر والكسائي والأئمة‏.‏ وأجاز الزجاج ‏{‏بقبول‏{‏ بضم القاف على الأصل‏.‏

                        قوله تعالى‏{‏وكفلها زكريا‏{‏ أي ضمها إليه‏.‏ أبو عبيدة‏:‏ ضمن القيام بها‏.‏ وقرأ الكوفيون ‏{‏وكفلها‏{‏ بالتشديد، فهو يتعدى إلى مفعولين؛ والتقدير وكفلها ربها زكريا، أي ألزمه كفالتها وقدر ذلك عليه ويسره له‏.‏ وفي مصحف أبي ‏{‏وأكفلها‏{‏ والهمزة كالتشديد في التعدي؛ وأيضا فإن قبْله ‏{‏فتقبلها، وأنبتها‏{‏ فأخبر تعالى عن نفسه بما فعل بها؛ فجاء ‏{‏كفلها‏{‏ بالتشديد على ذلك‏.‏ وخففه الباقون على إسناد الفعل إلى زكريا‏.‏ فأخبر الله تعالى أنه هو الذي تولى كفالتها والقيام بها؛ بدلالة قوله‏{‏أيهم يكفل مريم‏}‏آل عمران‏:‏ 44‏]‏‏.‏ قال مكي‏:‏ وهو الاختيار؛ لأن التشديد يرجع إلى التخفيف، لأن الله تعالى إذا كفلها زكريا كفلها بأمر الله، ولأن زكريا إذا كفلها فعن مشيئة الله وقدرته؛ فعلى ذلك فالقراءتان متداخلتان‏.‏ وروى عمرو بن موسى عن عبدالله بن كثير وأبي عبدالله المزني ‏{‏وكفلها‏{‏ بكسر الفاء‏.‏ قال الأخفش‏:‏ يقال كَفَلَ يَكْفُلُ وكَفِلَ يَكْفَلُ ولم أسمع كَفُلَ، وقد ذكرت‏.‏ وقرأ مجاهد ‏{‏فتقبلْها‏{‏ بإسكان اللام على المسألة والطلب‏.‏ ‏{‏ربها‏{‏ بالنصب نداء مضاف‏.‏ ‏{‏وأنبتْها‏{‏ بإسكان التاء ‏{‏وكفلها‏{‏ بإسكان اللام ‏{‏زكرياء‏{‏ بالمد والنصب‏.‏ وقرأ حفص وحمزة والكسائي ‏{‏زكريا‏{‏ بغير مد ولا همزة، ومده الباقون وهمزوه‏.‏ وقال الفراء‏:‏ أهل الحجاز يمدون ‏{‏زكرياء‏{‏ ويقصرونه، وأهل نجد يحذفون منه الألف ويصرفونه فيقولون‏:‏ زكري‏.‏ قال الأخفش‏:‏ فيه أربع لغات‏:‏ المد والقصر، وكري بتشديد الياء والصرف، وزكر ورأيت زكريا‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ زكرى بلا صرف لأنه أعجمي وهذا غلط؛ لأن ما كان فيه ‏{‏يا‏{‏ مثل هذا انصرف مثل كرسي ويحيى، ولم ينصرف زكرياء في المد والقصر لأن فيه ألف تأنيث والعجمة والتعريف‏.‏

                        قوله تعالى‏{‏كلما دخل عليها زكريا المحراب‏{‏ المحراب في اللغة أكرم موضع في المجلس‏.‏ وسيأتي له مزيد بيان في سورة ‏{‏مريم‏{‏‏.‏ وجاء في الخبر‏:‏ إنها كانت في غرفة كان زكريا يصعد إليها بسلم‏.‏ قال وضاح اليمن‏:‏

                        ربة محراب إذا جئتها لم أَلْقها حتى ارتَقِي سلما

                        أي ربة غرفة‏.‏‏"‏روى أبو صالح عن ابن عباس قال‏:‏ حملت امرأة عمران بعد ما أسنت فنذرت ما في بطنها محررا فقال لها عمران‏:‏ ويحك ما صنعت‏؟‏ أرأيت إن كانت أنثى‏؟‏ فاغتما لذلك جميعا‏.‏ فهلك عمران وحنة حامل فولدت أنثى فتقبلها الله بقبول حسن، وكان لا يحرر إلا الغلمان فتساهم عليها الأحبار بالأقلام التي يكتبون بها الوحي، على ما يأتي‏.‏ فكفلها زكريا وأخذ لها موضعا فلما أسنت جعل لها محرابا لا يرتقي إليه إلا بسلم، واستأجر لها ظئرا وكان يغلق عليها بابا، وكان لا يدخل عليها إلا زكريا حتى كبرت، فكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله فتكون عند خالتها وكانت خالتها امرأة زكريا في قول الكلبي‏.‏ قال مقاتل‏:‏ كانت أختها امرأة زكريا‏.‏ وكانت إذا طهرت من حيضتها واغتسلت ردها إلى المحراب‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كانت لا تحيض وكانت مطهرة من الحيض‏.‏ وكان زكريا إذا دخل عليها يجد عندها فاكهة الشتاء في القيظ وفاكهة القيظ في الشتاء فقال‏:‏ يا مريم أنى لك هذا‏؟‏ فقالت‏:‏ هو من عند الله‏.‏ فعند ذلك طمع زكريا في الولد وقال‏:‏ إن الذي يأتيها بهذا قادر أن يرزقني ولدا‏.‏ ومعنى ‏{‏أنى‏{‏ من أين؛ قاله أبو عبيدة‏.‏ قال النحاس‏:‏ وهذا فيه تساهل؛ لأن ‏{‏أين‏{‏ سؤال عن المواضع و‏{‏أنى‏{‏ سؤال عن المذاهب والجهات‏.‏ والمعنى من أي المذاهب ومن أي الجهات لك هذا‏.‏ وقد فرق الكميت بينهما فقال‏:‏

                        أنى ومن أين آبك الطرب من حيث لا صبوة ولا ريب
                        و ‏{‏كلما‏{‏ منصوب بـ ‏{‏وجد‏{‏، أي كل دخلة‏.‏ ‏{‏إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏{‏ قيل‏:‏ هو من قول مريم، ويجوز أن يكون مستأنفا؛ فكان ذلك سبب دعاء زكريا وسؤاله الولد‏.‏
                        أبواسلام.
                        كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
                        رابطة الجرافيك الدعوى

                        تعليق


                        • الآية رقم ‏(‏38‏)‏


                          ‏{‏هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء‏}‏

                          قوله تعالى‏{‏هنالك دعا زكريا ربه‏{‏ هنالك في موضع نصب؛ لأنه ظرف يستعمل للزمان والمكان وأصله للمكان‏.‏ وقال المفضل بن سلمة‏{‏هنالك‏{‏ في الزمان و‏{‏هناك‏{‏ في المكان، وقد يجعل هذا مكان هذا‏.‏ و‏{‏هب لي‏{‏ أعطني‏.‏ ‏{‏من لدنك‏{‏ من عندك‏.‏ ‏{‏ذرية طيبة‏{‏ أي نسلا صالحا‏.‏ والذرية تكون واحدة وتكون جمعا ذكرا وأنثى، وهو هنا واحد‏.‏ يدل عليه قوله‏.‏ ‏{‏فهب لي من لدنك وليا‏}‏مريم‏:‏ 5‏]‏ ولم يقل أولياء، وإنما أنث ‏{‏طَيِّبة‏{‏ لتأنيث لفظ الذرية؛ كقوله‏:‏

                          أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال

                          فأنث ولدته لتأنيث لفظ الخليفة‏.‏ وروي من حديث أنس قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أي رجل مات وترك ذرية طيبة أجرى الله له مثل أجر عملهم ولم ينقص من أجورهم شيئا‏)‏‏.‏ وقد مضى في ‏{‏البقرة‏{‏ اشتقاق الذرية‏.‏ و‏{‏طيبة‏{‏ أي صالحة مباركة‏.‏ ‏{‏إنك سميع الدعاء‏{‏ أي قابله؛ ومنه‏:‏ سمع الله لمن حمده‏.‏

                          دلت هذه الآية على طلب الولد، وهي سنة المرسلين والصديقين، قال الله تعالى‏{‏ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية‏}‏الرعد‏:‏ 38‏]‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ أراد عثمان أن يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أجاز له ذلك لاختصينا‏.‏ وخرج ابن ماجة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء‏)‏‏.‏ وفي هذا رد على بعض جهال المتصوفة حيث قال‏:‏ الذي يطلب الولد أحمق، وما عرف أنه هو الغبي الأخرق؛ قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم الخليل‏{‏واجعل لي لسان صدق في الآخرين‏}‏الشعراء‏:‏ 84‏]‏ وقال‏{‏والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين‏}‏الفرقان‏:‏ 74‏]‏‏.‏ وقد ترجم البخاري على هذا ‏{‏باب طلب الولد‏{‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة حين مات ابنه‏:‏ ‏(‏أعرستم الليلة‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏بارك الله لكما في غابر ليلتكما‏)‏‏.‏ قال فحملت‏.‏ في البخاري‏:‏ قال سفيان فقال رجل من الأنصار‏:‏ فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن‏.‏ وترجم أيضا ‏{‏باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة‏{‏ وساق حديث أنس بن مالك قال‏:‏ قالت أم سُليم‏:‏ يا رسول الله، خادمك أنس أدع الله له‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته‏)‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين‏)‏‏.‏ خرجه البخاري ومسلم‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم‏)‏‏.‏ أخرجه أبو داود‏.‏ والأخبار في هذا المعنى كثيرة تحث على طلب الولد وتندب إليه؛ لما يرجوه الإنسان من نفعة في حياته وبعد موته‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث‏)‏ فذكر ‏(‏أو ولد صالح يدعو له‏)‏‏.‏ ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية‏.‏
                          فإذا ثبت هذا فالواجب على الإنسان أن يتضرع إلى خالقه في هداية ولده وزوجه بالتوفيق لهما والهداية والصلاح والعفاف والرعاية، وأن يكونا معينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعته بهما في أولاه وأخراه؛ ألا ترى قول زكريا‏{‏واجعله رب رضيا‏}‏مريم‏:‏ 6‏]‏ وقال‏{‏ذرية طيبة‏{‏‏.‏ وقال‏{‏هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين‏}‏الفرقان‏:‏ 74‏]‏‏.‏ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس فقال‏:‏ ‏(‏اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه‏)‏‏.‏ خرجه البخاري ومسلم، وحسبك‏.‏

                          الآية رقم ‏(‏39‏)‏


                          ‏{‏فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين‏}‏

                          قوله تعالى‏{‏فنادته الملائكة‏{‏ قرأ حمزة والكسائي ‏{‏فناداه‏{‏ بالألف على التذكير ويميلانها لأن أصلها الياء، ولأنها رابعة‏.‏ وبالألف قراءة ابن عباس وابن مسعود، وهو اختيار أبي عبيد‏.‏ وروي عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال‏:‏ كان عبدالله يذكر الملائكة في كل القرآن‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ نراه اختار ذلك خلافا على المشركين لأنهم قالوا‏:‏ الملائكة بنات الله‏.‏ قال النحاس‏:‏ هذا احتجاج لا يحصل منه شيء؛ لأن العرب تقول‏:‏ قالت الرجال، وقال الرجال، وكذا النساء، وكيف يحتج عليهم بالقرآن، ولو جاز أن يحتج عليهم بالقرآن بهذا لجاز أن يحتجوا بقوله تعالى‏{‏وإذ قالت الملائكة‏{‏ ولكن الحجة عليهم في قوله عز وجل‏{‏أشهدوا خلقهم‏}‏الزخرف‏:‏ 19‏]‏ أي فلم يشاهدوا، فكيف يقولون إنهم إناث فقد علم أن هذا ظن وهوى‏.‏ وأما ‏{‏فناداه‏{‏ فهو جائز على تذكير الجمع، ‏{‏ونادته‏{‏ على تأنيث الجماعة‏.‏ قال مكي‏:‏ والملائكة ممن يعقل في التكسير فجرى في التأنيث مجرى ما لا يعقل، تقول‏:‏ هي الرجال، وهي الجذوع، وهي الجِمال، وقالت الأعراب‏.‏ ويقوي ذلك قوله‏{‏وإذ قالت الملائكة‏{‏ وقد ذكر في موضع آخر فقال‏{‏والملائكة باسطو أيديهم‏}‏الأنعام‏:‏ 93‏]‏ وهذا إجماع‏.‏ وقال تعالى‏{‏والملائكة يدخلون عليهم من كل باب‏}‏الرعد‏:‏ 23‏]‏ فتأنيث هذا الجمع وتذكيره حسنان‏.‏ وقال السدي‏:‏ ناداه جبريل وحده؛ وكذا في قراءة ابن مسعود‏.‏ وفي التنزيل ‏{‏ينزل الملائكة بالروح من أمره‏{‏ يعني جبريل، والروح الوحي‏.‏ وجائز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع‏.‏ وجاء في التنزيل ‏{‏الذين قال لهم الناس‏}‏آل عمران‏:‏ 173‏]‏ يعني نعيم بن مسعود، على ما يأتي‏.‏ وقيل‏:‏ ناداه جميع الملائكة، وهو الأظهر‏.‏ أي جاء النداء من قبلهم‏.‏

                          قوله تعالى‏{‏وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك‏{‏ ‏{‏وهو قائم‏{‏ ابتداء وخبر ‏{‏يصلي‏{‏ في موضع رفع، وإن شئت كان نصبا على الحال من المضمر‏.‏ ‏{‏أن الله‏{‏ أي بأن الله‏.‏ وقرأ حمزة والكسائي ‏{‏إن‏{‏ أي قالت إن الله؛ فالنداء بمعنى القول‏.‏ ‏{‏يبشرك‏{‏ بالتشديد قراءة أهل المدينة‏.‏ وقرأ حمزة ‏{‏يَبْشُرُك‏{‏ مخففا؛ وكذلك حميد بن القيس المكي إلا أنه كسر الشين وضم الياء وخفف الباء‏.‏ قال الأخفش‏:‏ هي ثلاث لغات بمعنى واحد‏.‏

                          دليل الأولى هي قراءة الجماعة أن ما في القرآن من هذا من فعل ماض أو أمر فهو بالتثقيل؛ كقوله تعالى‏{‏فبشر عباد‏}‏الزمر‏:‏ 17‏]‏ ‏{‏فبشره بمغفرة‏}‏يس‏:‏ 11‏]‏ ‏{‏فبشرناها بإسحاق‏}‏هود‏:‏ 71‏]‏ ‏{‏قالوا بشرناك بالحق‏}‏الحجر‏:‏ 55‏]‏‏.‏ وأما الثانية وهي قراءة عبدالله بن مسعود فهي من بَشَر يَبْشُر وهي لغة تهامة؛ ومنه قول الشاعر‏:‏

                          بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة أتتك من الحجاج يتلى كتابها

                          وقال آخر‏:‏

                          وإذا رأيت الباهشين إلى الندى غبرا أكفهم بقاع ممحل

                          فأعِنْهُم وابشَرْ بما بَشِروا به وإذا هم نزلوا بضنك فانزل


                          وأما الثالثة فهي من أبشر يُبشر إبشارا قال‏:‏

                          يا أم عمرو أبشري بالبشرى موت ذريع وجراد عَظْلَى

                          قوله تعالى‏{‏بيحيى‏{‏ كان اسمه في الكتاب الأول حيا، وكان اسم سارة زوجة إبراهيم عليه السلام بسارة، وتفسيره بالعربية لا تلد، فلما بشرت بإسحاق قيل لها‏:‏ سارة، سماها بذلك جبريل عليه السلام‏.‏ فقالت‏:‏ يا إبراهيم لم نقص من اسمي حرف‏؟‏ فقال إبراهيم ذلك لجبريل عليهما السلام‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إن ذلك الحرف زيد في اسم ابن لها من أفضل الأنبياء اسمه حيي وسمي بيحيى‏)‏‏.‏ ذكره النقاش‏.‏ وقال قتادة‏:‏ سمي بيحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان والنبوة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ سمي بذلك لأن الله تعالى أحيا به الناس بالهدى‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ اشتق اسمه من اسم الله تعالى حي فسمي يحيى‏.‏ وقيل‏:‏ لأنه أحيا به رحم أمه‏.‏

                          قوله تعالى‏{‏مصدقا بكلمة من الله‏{‏ يعني عيسى في قول أكثر المفسرين‏.‏ وسمي عيسى كلمة لأنه كان بكلمة الله تعالى التي هي ‏{‏كن‏{‏ فكان من غير أب‏.‏ وقرأ أبو السمال العدوي ‏{‏بكِلْمة‏{‏ مكسورة الكاف ساكنة اللام في جميع القرآن، وهي لغة فصيحة مثل كِتْف وفِخْذ‏.‏ وقيل‏:‏ سمي كلمة لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله تعالى‏.‏ وقال أبو عبيد‏:‏ معنى ‏{‏بكلمة من الله‏{‏ بكتاب من الله‏.‏ قال‏:‏ والعرب تقول أنشدني كلمة أي قصيدة؛ كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان فقال‏:‏ لعن الله كلمته، يعني قصيدته‏.‏ وقيل غير هذا من الأقوال‏.‏ والقول الأول أشهر وعليه من العلماء الأكثر‏.‏ و‏{‏يحيى‏{‏ أول من آمن بعيسى عليهما السلام وصدقه، وكان يحيى أكبر من عيسى بثلاث سنين ويقال بستة أشهر‏.‏ وكانا ابني خالة، فلما سمع زكريا شهادته قام إلى عيسى فضمه إليه وهو في خرقه‏.‏ وذكر الطبري أن مريم لما حملت بعيسى حملت أيضا أختها بيحيى؛ فجاءت أختها زائرة فقالت‏:‏ يا مريم أشعرت أني حملت‏؟‏ فقالت لها مريم‏:‏ أشعرت أنت أني حملت‏؟‏ فقالت لها‏:‏ وإني لأجد ما في بطني يسجد لما في بطنك‏.‏ وذلك أنه روي أنها أحست جنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم‏.‏ قال السدي‏:‏ فذلك قوله ‏{‏مصدقا بكلمة من الله‏{‏‏.‏ ‏{‏ومصدقا‏{‏ نصب على الحال‏.‏ ‏{‏وسيدا‏{‏ السيد‏:‏ الذي يسود قومه وينتهى إلى قوله، وأصله سَيْوِد يقال‏:‏ فلان أسود من فلان، أفعل من السيادة؛ ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيدا كما يجوز أن يسمى عزيزا أو كريما‏.‏ وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبني قريظة‏:‏ ‏(‏قوموا إلى سيدكم‏)‏‏.‏ وفي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحسن‏:‏ ‏(‏إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين‏)‏ وكذلك كان، فإنه لما قتل علي رضي الله عنه بايعه أكثر من أربعين ألفا وكثير ممن تخلف عن أبيه وممن نكث بيعته، فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان، ثم سار إلى معاوية في أهل الحجاز والعراق وسار إليه معاوية في أهل الشام؛ فلما تراءى الجمعان بموضع يقال له ‏{‏مَسْكِن‏{‏ من أرض السواد بناحية الأنبار كره الحسن القتال لعلمه أن إحدى الطائفتين لا تغلب حتى تهلك أكثر الأخرى فيهلك المسلمون؛ فسلم الأمر إلى معاوية على شروط شرطها عليه، منها أن يكون الأمر له من بعد معاوية، فالتزم كل ذلك معاوية فصدق قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن ابني هذا سيد‏)‏ ولا أسود ممن سوده الله تعالى ورسوله‏.‏ قال قتادة في قوله تعالى ‏{‏وسيدا‏{‏ قال‏:‏ في العلم والعبادة‏.‏ ابن جبير والضحاك‏:‏ في العلم والتقى‏.‏ مجاهد‏:‏ السيد الكريم‏.‏ ابن زيد‏:‏ الذي لا يغلبه الغضب‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ السيد الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير‏.‏ وهذا جامع‏.‏ وقال الكسائي‏:‏ السيد من المَعِز المسِن‏.‏ وفي الحديث ‏(‏ثني من الضأن خير من السيد المعز‏)‏‏.‏ قال‏:‏

                          سواء عليه شاة عام دَنتْ له ليذبحها للضيف أم شاة سيد

                          قوله‏{‏وحصورا‏{‏ أصله من الحصر وهو الحبس‏.‏ حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني‏.‏ قال ابن ميادة‏:‏

                          وما هجر ليلى أن تكون تباعدت عليك ولا أن أحصرتك شغول

                          وناقة حصور‏:‏ ضيقة الإحليل‏.‏ والحصور الذي لا يأتي النساء كأنه محجم عنهن؛ كما يقال‏:‏ رجل حصور وحصير إذا حبس رفده ولم يخرج ما يخرجه الندامى‏.‏ يقال‏:‏ شرب القوم فحصر عليهم فلان، أي بخل؛ عن أبي عمرو‏.‏ قال الأخطل‏:‏

                          وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسوار

                          وفي التنزيل ‏{‏وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا‏}‏الإسراء‏:‏ 8‏]‏ أي محبسا‏.‏ والحصير الملك لأنه محجوب‏.‏ وقال لبيد‏:‏

                          وقماقم غُلْب الرقاب كأنهم جن لدى باب الحصير قيام

                          فيحيى عليه السلام حصور، فعول بمعنى مفعول لا يأتي النساء؛ كأنه ممنوع مما يكون في الرجال؛ عن ابن مسعود وغيره‏.‏ وفعول بمعنى مفعول كثير في اللغة، من ذلك حلوب بمعنى محلوبة؛ قال الشاعر‏:‏

                          فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الأسحم

                          وقال ابن مسعود أيضا وابن عباس وابن جبير وقتادة وعطاء وأبو الشعثاء والحسن والسدي وابن زيد‏:‏ هو الذي يكف عن النساء ولا يقربهن مع القدرة‏.‏ وهذا أصح الأقوال لوجهين‏:‏ أحدهما أنه مدح وثناء عليه، والثناء إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلة في الغالب‏.‏ الثاني أن فعولا في اللغة من صيغ الفاعلين؛ كما قال‏:‏

                          ضَروب بنصل السيف سوق سمانها إذا عدموا زادا فإنك عاقر
                          فالمعنى أنه يحصر نفسه عن الشهوات‏.‏ ولعل هذا كان شرعه؛ فأما شرعنا فالنكاح، كما تقدم‏.‏ وقيل‏:‏ الحصور العِنِّين الذي لا ذكر له يتأتى له به النكاح ولا ينزل؛ عن ابن عباس أيضا وسعيد بن المسيب والضحاك‏.‏ وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين‏)‏ - ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى قَذاة من الأرض فأخذها وقال‏:‏ ‏(‏كان ذَكَره هكذا مثل هذه القذاة‏)‏‏.‏ وقيل‏:‏ معناه الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل‏.‏ و‏{‏نبيا من الصالحين‏{‏ قال الزجاج‏:‏ الصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه، وإلى الناس حقوقهم‏.‏


                          أبواسلام.
                          كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
                          رابطة الجرافيك الدعوى

                          تعليق


                          • الآية رقم ‏(‏40‏)‏


                            ‏{‏قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء‏}‏

                            قيل‏:‏ الرب هنا جبريل، أي قال لجبريل‏:‏ رب - أي يا سيدي - أنى يكون لي غلام‏؟‏ يعني ولدا؛ وهذا قول الكلبي‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ قوله ‏{‏رب‏{‏ يعني الله تعالى‏.‏ ‏{‏أنى‏{‏ بمعنى كيف، وهو في موضع نصب على الظرف‏.‏ وفي معنى هذا الاستفهام وجهان‏:‏ أحدهما أنه سأل هل يكون له الولد وهو وامرأته على حاليهما أو يردان إلى حال من يلد‏؟‏‏.‏ الثاني سأل هل يرزق الولد من امرأته العاقر أو من غيرها‏.‏ وقيل‏:‏ المعنى بأي منزلة استوجب هذا وأنا وامرأتي على هذه الحال؛ على وجه التواضع‏.‏ ويروى أنه كان بين دعائه والوقت الذي بشر فيه أربعون سنة، وكان يوم بشر ابن تسعين سنة وامرأته قريبة السن منه‏.‏ وقال ابن عباس والضحاك‏:‏ كان يوم بشر ابن عشرين ومائة سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة؛ فذلك قوله ‏{‏وامرأتي عاقر‏{‏ أي عقيم لا تلد‏.‏ يقال‏:‏ رجل عاقر وامرأة عاقر بينة العقر‏.‏ وقد عَقُرت وعَقُر ‏(‏بضم القاف فيهما‏)‏ تعقُر عُقْرا صارت عاقرا، مثل حسنت تحسن حسنا؛ عن أبي زيد‏.‏ وعقارة أيضا‏.‏ وأسماء الفاعلين من فُعل فعيلة، يقال‏:‏ عظمت فهي عظيمة، وظرفت فهي ظريفة‏.‏ وإنما قيل عاقر لأنه يراد به ذات عُقْر على النسب، ولو كان على الفعل لقال‏:‏ عقرت فهي عقيرة كأن بها عقرا، أي كبرا من السن يمنعها من الولد‏.‏ والعاقر‏:‏ العظيم من الرمل لا ينبت شيئا‏.‏ والعُقْر أيضا مهر المرأة إذا وُطئت على شبهة‏.‏ وبيضة العُقْر‏:‏ زعموا هي بيضة الديك؛ لأنه يبيض في عمره بيضة واحدة إلى الطول‏.‏ وعُقْر النار أيضا‏.‏ وسطها ومعظمها‏.‏ وعَقْر الحوض‏:‏ مؤخره حيث تقف الإبل إذا وردت؛ يقال‏:‏ عُقْر وعُقُر مثل عُسْر وعُسُر، والجمع الأعقار فهو لفظ مشترك‏.‏ والكاف في قوله ‏{‏كذلك‏{‏ في موضع نصب، أي يفعل الله ما يشاء مثل ذلك‏.‏ والغلام مشتق من الغُلْمة وهو شدة طلب النكاح‏.‏ واغتلم الفحل غلمة هاج من شهوة الضراب‏.‏ وقالت ليلى الأخيلية‏:‏

                            شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
                            والغلام الطار الشارب‏.‏ وهو بين الغلومة والغلومية، والجمع الغِلْمة والغِلمان‏.‏ ويقال‏:‏ إن الغَيْلم الشاب والجارية أيضا‏.‏ والغيلم‏:‏ ذكر السلحفاة‏.‏ والغيلم‏:‏ موضع‏.‏ واغتلم البحر‏:‏ هاج وتلاطمت أمواجه‏.‏
                            أبواسلام.
                            كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
                            رابطة الجرافيك الدعوى

                            تعليق




                            • و عليكم السلام

                              أخي في الله أبو اسلام ، جزاك الله خيراً و بارك فيك و جعل ما تقوم به في موازين حسناتك

                              و أعتذر لكني لم أستطع الدخول ،


                              يوم الثلاثاء

                              41 - 45

                              أعوذ بالله من الشيطان الرجيم












                              اللهم لك الحمد و لك الشكر كما يليق بجلال وجهك و عظيم سلطانك



                              .
                              اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها
                              و أجرنا من خزي الدنيا و عذاب الآخرة
                              .

                              الجنة لا خطر ( مثيل ) لها ، هي و رب الكعبة
                              نور يتلألأ
                              و ريحانة تهتز
                              و قصر مشيد ...




                              تعليق


                              • أعانكِ الله أختى فى الله
                                وجزاكِ الله عنا خير الجزاء
                                أبواسلام.
                                كثر المتساهلون فى الدين ، فظهر الملتزمون بصورة المتشددين ، فعلى الملتزمين إختيار الأسلوب الصحيح لتوصيل صحيح الدين لغيرهم باللطف واللين0
                                رابطة الجرافيك الدعوى

                                تعليق

                                يعمل...
                                X